المغرب يعيد رسم خريطة النفوذ في الساحل الإفريقي

Nov 18, 2025 /

المغرب يعيد رسم خريطة النفوذ

الأخبار 24 : مليكة بوخاري

يبرز المغرب خضم التحولات الجيوسياسية والأمنية المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي، كقوة إقليمية تعيد رسم موازين القوى وكلاعب محوري في معادلة الاستقرار الإقليمي، من خلال التراجع الملحوظ في النفوذ التقليدي للجزائر، وقد إعتمد المغرب استراتيجية شاملة ترتكز على التكامل الاقتصادي العميق، والتعاون الأمني، إلى جانب تقوية الروابط الدينية والثقافية، تمنح هذه الرؤية المتكاملة موقعا متقدما في قيادة ديناميات المنطقة، معززة دورها كشريك فاعل في بناء استقرار وتنمية مستدامة في قلب إفريقيا.

ترسيخ النفوذه الاقتصادي والأمني بالساحل
شهدت الجزائر خلال السنوات الثلاثة الماضية تراجعا واضحا في قدرتها على أداء دور الوسيط الفاعل في أزمات منطقة الساحل، وسط تحولات سياسية وعسكرية أعادت تشكيل موازين النفوذ في الإقليم، خلق هذا التراجع فراغا استراتيجيا استثمره المغرب بحرفية، موسعا من حضوره الإقليمي عبر مشروع يعرف دوليا “بالاستراتيجية الأطلسية”، تهدف هذه الرؤية الطموحة إلى منح دول الساحل، التي تعاني من غياب واجهة بحرية، منفذا مباشرا على المحيط الأطلسي من خلال شبكة الموانئ المغربية، هذا المشروع الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله د في دجنبر 2023، من أجل بناء ممرات تجارية ولوجستيكية تكسر العزلة الجغرافية لهذه الدول، واندماجها الاقتصادي الإقليمي، لا يقتصر الدور المغربي على الأبعاد الاقتصادية، بل يمتد إلى المجالات الأمنية والدينية، حيث عملت الرباط على ترسيخ شراكاتها مع دول الساحل في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، عبر آليات متعددة تشمل التعاون العسكري وبرامج التدريب الأمني المتخصصة، ويشكل برنامج المغرب الرائد الى جانب ذلك تكوين الأئمة والدعاة التي تعد ركيزة أساسية من أدوات “القوة الناعمة” التي يعتمدها، إذ يهدف إلى ترسيخ قيم الاعتدال الديني ومواجهة التطرف، مما يعزز مكانة المغرب كشريك موثوق قادر على دعم الاستقرار والتنمية المستدامة في هذه المنطقة الحيوية.

المغرب يوسع نفوذه في ظل تراجع الجزائر
نشرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، المتخصصة في الشؤون الإفريقية، تحليلًا معمقًا يستعرض المرحلة الجديدة التي تعيشها منطقة الساحل، حيث يبرز تراجع ملموس في قدرة الجزائر على أداء دورها التقليدي كوسيط إقليمي، مقابل تعزيز المغرب لنفوذه عبر رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين الأبعاد الاقتصادية والدينية والأمنية، وأشارت المجلة أن محاولة الوساطة التي أعلن عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في يونيو الماضي بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق في شمال مالي، لم تحقق نتائج ملموسة مفتقرة للواقعية، حيث بدت في جوهرها خطوة سياسية تهدف أكثر إلى الحفاظ على صورة الجزائر الدبلوماسية، دون تقديم حلول عملية للأزمة المستمرة، وأكدت السلطات المالية، في ظل الحكم العسكري الراهن، رفضها القاطع لأي وساطة أجنبية تفرض عليها، خصوصا تلك التي تنبع من الجزائر التي تواجه اتهامات بدعم قيادات تمرد الطوارق، ما يعمق الهوة بين الطرفين ويعيق فرص التوصل إلى تسوية.

تراجع النفوذ الجزائري في الساحل
توضح المجلة أن سبب هذا الرفض راجع إلى اختلاف جوهري في مقاربة الأزمة، حيث تسعى الجزائر إلى الحفاظ على علاقة متوازنة مع الطوارق داخل مالي، من أجل تفادي تصعيد قد يتجاوز الحدود ويصل إلى جنوب الجزائر، الذي يضم حقول النفط والغاز الاستراتيجية، رغم أهمية هذه السياسة الأمنية للحفاظ على الاستقرار الداخلي، فقد أدت إلى تقييد قدرة الجزائر على التوسط كوسيط محايد في نظر الحكومة المالية وحلفائها الجدد، وسلطت المجلة الضوء على علامات تعكس تراجع النفوذ الجزائري في منطقة الساحل، أبرزها انسحاب مالي رسميا في يناير 2024 من اتفاق الجزائر لسنة 2015، الذي كان يعتبر قمة الإنجازات الدبلوماسية للجزائر في المنطقة، وكما رفضت النيجر في أكتوبر 2023 المقترح الجزائري الخاص بانتقال سياسي مدني عقب الانقلاب العسكري، فيما مثل اعتماد “ميثاق السلام” في مالي، تحت إشراف رئيس الوزراء السابق عثمان إسوفو مايغا، بمثابة إعلان عملي يتجاوز اتفاق الجزائر، معلنا بذلك نهاية دور الجزائر الريادي في الوساطة الإقليمية.

المغرب لاعب أساسي في استقرار وتنمية الساحل
تبرز التحولات للمشهد السياسي بباماكو ونيامي، صعود الأنظمة العسكرية، وتراجع الدور التقليدي للجزائر في منطقة الساحل، ما أفسح المجال أمام دخول قوى إقليمية جديدة تسعى لتوسيع نفوذها، يبرز المغرب في مقدمة هذه القوى، يقود مشروعا متكاملا من خلال مزج نفوذ اقتصادي متنام، وتأثير ديني متعمق، وتعاون أمني فعال، مستفيدا من شبكة علاقات تمتد من غرب إفريقيا إلى أوروبا، وتؤكد مجلة “جون أفريك” في هذا السياق أن “الاستراتيجية الأطلسية” التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في دجنبر 2023 تمثل نقطة تحول جيوسياسية مهمة، تمنح المغرب موقعا استراتيجيا يربط دول الساحل بالأسواق العالمية، معززا بذلك دوره كفاعل رئيسي في دفع التنمية والاستقرار الإقليميين، تجسد هذه المبادرة رؤية شاملة للمغرب في بناء محيط إقليمي مستدام عبر بوابة الساحل الإفريقي.

جسر النفوذ الإقتصادي والأمني في الساحل
يرى المغرب في دول الساحل تحالف أكثر من شركاء جغرافيين، سوقا ناشئة ذات فرص اقتصادية ضخمة، فضلا عن كونها بوابة حيوية لدورها الاستراتيجي كحلقة وصل بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إكواس” والأسواق الأوروبية، تحرص الرباط على استثمار هذه الفرصة عبر نهج متعدد الأبعاد يجمع بين ضخ الاستثمارات في البنية التحتية والمشاريع التنموية، والتعاون الأمني والعسكري، بالإضافة إلى تبني مبادرات دينية وثقافية تُبرز مكانتها كقوة معتدلة وموثوقة في محيطها الإقليمي، لم يكن هذا التوجه المتكامل وليد المصادفة، بل يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى من أجل بناء حضور متين ومستدام في منطقة الساحل، لترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتطوير علاقات متوازنة ومستقرة مع دول الجوار الإفريقي، يؤكد المغرب من خلال هذا المسار قدرته المتزايدة في إعادة تشكيل خريطة النفوذ الإقليمية، مستفيدا من موقعه الجيوسياسي الاستراتيجي وأدواته المتنوعة، ليثبت نفسه كلاعب لا غنى عنه في ديناميات منطقة ذات أهمية حاسمة على المستويين القاري والدولي.

شروط النشر:

يُرجى الالتزام بأسلوب محترم في التعليقات، والامتناع عن أي إساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات.
يُمنع تمامًا توجيه أي عبارات تمسّ الأديان أو الذات الإلهية، كما يُحظر التحريض العنصري أو استخدام الألفاظ النابية.

الأخبار 24 جريدة إلكترونية مغربية شاملة تتجدد على مدار الساعة ، تقدم أخبار دقيقة وموثوقة.
    نعتمد على إعداد محتوياتنا بالتحري الجاد والالتزام التام بأخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دولياً، مما يضمن جودة الخبر ومصداقيته.

قلق دولي من تداخل الأنشطة الإرهابية أفاد دبلوماسي أوروبي مقيم…
×
Verified by MonsterInsights