هل ما زال للمغرب العربي أمل للخروج من الظل إلى أفق الوحدة والتكامل؟

Nov 16, 2025 /

هل ما زال للمغرب العربي أمل للخروج؟

الأخبار 24: مليكة بوخاري

تستمر العلاقة بين الجارتين في القطيعة، رغم التاريخ المشترك والروابط الثقافية والدينية العميقة التي تجمع بين الشعبين المغربي والجزائري، مشهد يعكس هدرا استراتيجيا كبيرا لإمكانيات هائلة من المفروض استثمارها خدمة لشعوب المنطقة المغاربية، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، وتبدو هذه القطيعة استثناءا صارخا لقانون الجغرافيا والتكامل، إذ تبتعد عن منطق التاريخ وتتناقض مع المصالح الوطنية والإقليمية المشتركة، مما يحول دون بناء مستقبل مشترك يضمن الاستقرار والتنمية لشعوب المنطقة.

جريدة الاخبار 24 % - هل ما زال للمغرب العربي أمل للخروج من الظل إلى أفق الوحدة والتكامل؟الحلم المغاربي بين الجمود وواقع الانقسام
لا يزال الحلم المغاربي عالقا رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على توقيع معاهدة مراكش التي أسست اتحاد المغرب العربي سنة 1989، في دائرة التعطيل، تائها بين حسابات سياسية ضيقة وخطابات شعبوية تغذي الانقسام بدل ترسيخ ثقافة التقارب وبناء الجسور، تستمر الجغرافيا في مفارقة صارخة بثباتها، لا تعرف التغيير في انتظار قرار سياسي يتحلى بالشجاعة والرؤية، يعيد تعريف الجوار كقدر لا يمكن تجاوزه، ويواجه الحساسيات التاريخية المزمنة بعقلية منفتحة تتطلع إلى المستقبل، لا إلى تصفية حسابات الماضي، لقد أثبتت التجربة الأوروبية، التي أعقبت حربين عالميتين مدمرتين، أن الجوار الجغرافي ليس مدخلا للتوتر، بل تحول، متى توفرت الإرادة السياسية والنضج النخبوي، إلى رافعة قوية للتنمية والتكامل والاستقرار، يعج التاريخ المعاصر بنماذج من الدول التي تمكنت من تحويل صراعاتها إلى فرص لبناء شراكات استراتيجية، بفضل وعي نخبها بدروس الماضي وإيمانها العميق بمستقبل مشترك، وعلى نقيض ذلك، تواصل المنطقة المغاربية مسارها الانعزالي، محكومة بخلافات ثنائية على رأسها القطيعة بين الجزائر والمغرب ما جعلها تفقد زمام المبادرة وتهدر فرصا ثمينة لتشكيل تكتل إقليمي متماسك وفضاء للتكامل، أضحت المنطقة ساحة للجمود والتبعية، يستنزف فيها الزمن والموارد، وتعطل فيها آفاق التنمية، في وقت يتسارع فيه تنظيم تكتلات عالمية ليضيق هامش المناورة أمام الكيانات الموحدة.

القطيعة تغذي الأزمات وتخرس النخب
أثمرت جهود دول أوروبية تحويل الفكر السياسي إلى قوة اقتراحية مكنتها من تجاوز الانقسامات وصياغة مشروع وحدوي متماسك، حيث تبدو المنطقة المغاربية أسيرة نزعات شعبوية تغذي الانقسام وتؤجج العداء، خصوصا عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى فضاء لتفريغ الخطابات المتشنجة، في ظل صمت لافت للنخب الأكاديمية والسياسية التي يفترض أن تكون صوت العقل وبوصلة التوازن، لا مجرد متفرج على تصدع الجسور، لا يمكن فصل هذا الواقع عن مشهد أمني متأزم، تتزايد فيه التهديدات وتتعقد فيه التحديات، من تمدد الجماعات المتطرفة، إلى تفاقم الهجرة غير النظامية، مرورا بتراجع قدرة المنطقة على فرض شروط متوازنة في علاقاتها مع الشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي، وصولا إلى هشاشة الأوضاع في منطقة الساحل المجاورة، في هذا السياق تتحول القطيعة، بين المغرب والجزائر من خلاف ثنائي إلى معضلة إقليمية، ومن عائق سياسي إلى مصدر لتعقيد أزمات كبرى، بدل أن تكون رافعة لتوحيد الجهود لمواجهة المخاطر المشتركة، باتت القطيعة المغاربية عاملا متفاقما للأزمات، يعمق هشاشة المنطقة، ويهدر فرص بناء تكتل قادر على الاستجابة لتحديات الأمن والتنمية في محيط سريع التحول.

القطيعة عجز في زمن التكتلات
تجسد القطيعة بين المغرب والجزائر اليوم إحدى أبرز صور العجز البنيوي في الفضاء المغاربي، حيث فشلت النخب السياسية والإقليمية في تحويل الجوار الجغرافي إلى رافعة للتكامل، واختارت بدل ذلك البقاء أسيرة لخطاب العداء والخلافات، في عالم يشهد إعادة رسم موازين القوى وتحولات عميقة في خرائط التحالفات، لم يعد الانطواء خيارا قابلا للصمود، لا يمنح النظام الدولي المعاصر وزنه إلا للتكتلات القادرة على تنسيق رؤاها وتوحيد مواقفها، لا للكيانات المنقسمة التي تهدر مواردها في صراعات عبثية، فلم يعد مستقبل التكامل المغاربي ترفا فكريا أو مجرد حلم مؤجل، بل أضحى ضرورة استراتيجية تفرضها اعتبارات الأمن القومي والتنمية المستدامة والموقع الإقليمي في الساحة الدولية، تكمن نقطة الانطلاق مغادرة منطقة الظل التي تخلقها القطيعة، وإعادة الاعتبار لمنطق المصالح المشتركة، وفتح حوار صريح ومسؤول، تستحضر الحاجة إلى دور فاعل للنخب المثقفة، لا بوصفها شاهدة على التوتر، بل كقوة اقتراحية تضغط في اتجاه المصالحة وبناء مستقبل مشترك.

القطيعة نزيف بلا جدوى
آن الأوان لقطع مع خطاب التأجيج الذي يرسخ العداء ويغذي الانقسام، والانخراط بدل ذلك في مقاربة سياسية جديدة تحسن إدارة الخلافات، وتحول منطق الخسارة إلى فرص، ومن الجوار الجغرافي إلى شراكة استراتيجية، بدل الإصرار على تعلية الجدران مد الجسور، الذي لا يعبر إلا عن عجز سياسي في قراءة التحولات، وغياب الجرأة في مواجهة تحديات المرحلة، يعاد في لحظة رسم خرائط التحالفات على المستوى الدولي، يصعد فيها منطق التكتلات كمدخل لتعزيز النفوذ وحماية المصالح، قد يبدو استمرار الجمود في الفضاء المغاربي، خصوصا بفعل القطيعة بين المغرب والجزائر، نزيفا استراتيجيا يستنزف الطاقات ويقزم الأدوار الإقليمية للمنطقة، ليس كل ما يحدث مجرد تعثر سياسي عابر، بل اختبار صريح للطبقة السياسية والنخب الفاعلة، ومدى قدرتها على كسر أسر الماضي، وتوجيه البوصلة نحو مستقبل تبنى فيه العلاقات على المصالح المشتركة لا على رواسب العداء، لا مكان في عالم متحول، للكيانات الضعيفة، ولا وزن لمن يكتفي بإعادة إنتاج الانقسام.

صوت العقل والشجاعة السياسية
لم يعد معيار القوة في العلاقات الدولية يقاس بعدد أوراق الضغط المتاحة، بل بقدرة الأطراف على تجاوز منطق الصراع وتغليب صوت الحكمة، لم يعد التحدي اليوم في فرض مواقف، بل في امتلاك الشجاعة السياسية لفتح صفحة جديدة تبنى على أسس الحوار والتعاون وحسن الجوار، في زمن تتكاثف فيه الأزمات وتتداخل فيه التهديدات، لا مجال لبقاء الدول رهينة حسابات الماضي، وحدها الخيارات الموجهة نحو الوحدة والتكامل قادرة على تأمين الاستقرار وضمان موقع فاعل في المعادلات الإقليمية والدولية، ولعل الأجيال القادمة، التي ترث تبعات هذا الانقسام، تستحق أكثر من شعارات العداء، أو تستحق رؤية تستشرف المستقبل بروح من الانفتاح والتفاؤل.

شروط النشر:

يُرجى الالتزام بأسلوب محترم في التعليقات، والامتناع عن أي إساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات.
يُمنع تمامًا توجيه أي عبارات تمسّ الأديان أو الذات الإلهية، كما يُحظر التحريض العنصري أو استخدام الألفاظ النابية.

الأخبار 24 جريدة إلكترونية مغربية شاملة تتجدد على مدار الساعة ، تقدم أخبار دقيقة وموثوقة.
    نعتمد على إعداد محتوياتنا بالتحري الجاد والالتزام التام بأخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دولياً، مما يضمن جودة الخبر ومصداقيته.

قلق دولي من تداخل الأنشطة الإرهابية أفاد دبلوماسي أوروبي مقيم…
×
Verified by MonsterInsights