جريدة الاخبار 24

رئاسة روسيا لمجلس الأمن محطة مفصلية في نزاع عمر نصف قرن


رئاسة روسيا لمجلس الأمن محطة

مليكة بوخاري

تستعد روسيا الاتحادية لتولي رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر المقبل، في ظرف دولي بالغ الحساسية، تعود فيه قضايا النزاعات الإقليمية إلى الواجهة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، في لحظة دبلوماسية دقيقة تتقاطع فيها الحسابات الجيوسياسية والتحولات في موازين القوى العالمية، مما يمنح موسكو هامشا أوسع للعب دور حاسم، أو على الأقل توجيه النقاش الدولي نحو مخرجات أكثر واقعية.

الحكم الذاتي يتعزز والانفصال يتآكل
الإحاطة الأخيرة التي قدمها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، كشفت عن تحول نوعي في التعاطي الأممي مع النزاع، لا سيما في ما يتعلق بإعادة تثبيت مبادرة الحكم الذاتي المغربي كخيار جدي، عملي، وواقعي يحظى بدعم متزايد من عواصم القرار الدولي، منهم واشنطن_باريس ومدريد، ولم يترددوا في التعبير عن دعمهم الصريح لهذا المقترح، وفي مقابل تآكل أطروحة الانفصال، التي لم تعد تجد لها موقعا ضمن منطق المصالح والتحالفات الجديدة.

موسكو بين الرباط والجزائر
تأتي رئاسة روسيا لمجلس الأمن لتضيف عنصرا جديدا إلى هذه المعادلة المعقدة، التي لطالما تبنت موسكو مقاربة متوازنة تجاه الملف، تجد نفسها اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية لخياراتها الدبلوماسية، فمن جهة، ترتبط روسيا بعلاقات تقليدية مع الجزائر، أحد أبرز داعمي مرتزقة البوليساريو، ومن جهة أخرى، تشهد علاقاتها مع المغرب تطورا لافتا، توج بزيارة جلالة الملك محمد السادس إلى موسكو وتوقيع اتفاقيات إستراتيجية شاملة.

براغماتية جديدة في السياسة الدولية
تحرص موسكو على هذا التوازن الذي لم يعد مجرد موقف حيادي، بل بات تعبيرا عن نهج دبلوماسي روسي جديد يتأسس على البراغماتية، ويضع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية في مقدمة الأولويات، لقد تجاوزت روسيا مرحلة الاصطفافات الإيديولوجية التي طبعت سياستها خلال الحرب الباردة، لتدخل منذ نهاية التسعينيات في طور إعادة تشكيل موقعها داخل النظام الدولي، كقوة لا تسعى فقط إلى التموقع، بل إلى التأثير في بنية القرار العالمي.

موسكو توازن في ملف الصحراء
ورغم المحاولات الجزائرية الرامية إلى استثمار عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن بالتوازي مع الرئاسة الروسية المنتظرة، فإن المعطيات الراهنة لا توحي بإمكانية اختراق روسي لموقف متزن تم بناؤه على مدى سنوات، امتنعت موسكو، عن الاعتراف صراحة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كذلك لم تعترف بكيان البوليساريو، وقد امتنعت مرارا عن التصويت داخل مجلس الأمن بما يسمح بالحفاظ على توازن سياسي يضمن استمرار الدينامية السياسية دون انحياز.

موسكو الصحراء أمن واستقرار
اللافت أن موسكو لم تنظر إلى قضية الصحراء من منظور نزاع ترابي فحسب، بل من زاوية أكثر شمولا، ترتبط بأمن شمال إفريقيا، والاستقرار الإقليمي، وبفرص التعاون مع المغرب كفاعل اقتصادي وسياسي وازن في القارة، وقد برز ذلك جليا في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث حرص المغرب على تبني سياسة متزنة، لاقت ترحيبا لدى الكرملين، وزادت من منسوب الثقة المتبادلة، وكذلك رفضها محاولات الجزائر فرض حضور البوليساريو على الساحة الدولية، كما حدث في منتدى روسيا–إفريقيا الأخير.

أكتوبر محطة حاسمة في ملف الصحراء
يبدو في هذا السياق أن القرار الأممي المرتقب في أكتوبر لن يكون مجرد وثيقة تقنية لتمديد مهمة “المينورسو”، بل محطة مفصلية قد تحدد مسار الحل السياسي برمته، فالمزاج الدولي يتغير، والدبلوماسية الواقعية تحل محل الشعارات، فيما يفقد الطرح الانفصالي زخمه الدولي، مقابل تعزيز الدعم لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق.

التوازن الروسي في ملف الصحراء
لقد ولى زمن الخطابات المكولسة، لتعود اليوم الأمم المتحدة إلى تبني منطق ممكن، تقوده قوى دولية تسعى لتقليص بؤر التوتر لا تغذيتها، وإذا كانت روسيا تستعد لتولي دفة مجلس الأمن في لحظة مفصلية، فإن تعاطيها مع هذا الملف سيكون محكوما بمنطق، لا بالمجاملات، ولابحسابات التوازن، وبدون المواقف الشعبوية.

تسوية تاريخية على طاولة موسكو
قد لا يتطلب من موسكو أن تنحاز، بل أن تستمر في دعم المسار السياسي ضمن المرجعيات الأممية، مع منح الأولوية لمبادئ الاستقرار واحترام سيادة الدول، ما يفتح الباب أمام احتمال حقيقي لوضع لبنات تسوية تاريخية، تنهي نزاعا أنهك المنطقة لعقود، وتفسح المجال لآفاق جديدة من التعاون والتنمية.


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم الأمن في شمال إفريقيا والساحل

المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم حكيمة القرقوري تشهد منطقة شمال إفريقيا والساحل خلال السنوات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *