نفق جبل طارق مشروع استراتيجي
عاد مشروع النفق البحري الرابط بين المغرب وإسبانيا إلى دائرة الضوء، في تقاطع لافت بين خفض الميزانية وتوسيع الدراسات التقنية، ما يضعه مجددًا في قلب النقاش السياسي والاستراتيجي. ولم يعد يُنظر إليه كمجرد ورش هندسي طموح، بل بات يُقرأ كمرآة تعكس دينامية العلاقات الثنائية ومستقبل التكامل الإقليمي بين أوروبا وإفريقيا.
ترشيد للميزانية وتعديل تقني
أثار قرار الحكومة الإسبانية تقليص الميزانية المخصصة للدراسات الأولية لمشروع نفق جبل طارق، من 2.43 إلى 1.63 مليون يورو، جدلا حول مدى جدية مدريد في المضي قدمًا في هذا المشروع الاستراتيجي. ورغم ما قد يبدو تراجعا عن الالتزام السابق، وتؤكد شركة SECEGSA المكلفة بالمشروع أن الإجراء يعكس مراجعة تقنية لتقليص التكاليف، بعد الاستغناء عن مهام اعتُبرت غير ضرورية، منها: دراسة نفق استكشافي والبحث عن مسارات بديلة.
تحديات متراكمة
قد لا يلغي هذا التبرير التقني وجود دلالات سياسية واقتصادية أعمق، لعل أبرزها أن المشروع، رغم أهميته الاستراتيجية، لا يحتل الصدارة في سلم أولويات مدريد حاليا، في ظل ضغوط مالية داخلية وتحديات جيوسياسية أوروبية متغيرة.
دراسات مستمرة
بالرغم من أن وزارة النقل الإسبانية خفضت الميزانية، يبقى الإبقاء على الدراسات وتوسيعها بالتعاون مع شركات دولية، “Herrenknecht وTEKPAM”، وأن المشروع لم يغلق نهائيا، بل أُعيد توجيهه بمقاربة أكثر واقعية، تأخذ بعين الاعتبار العوائق الجيولوجية المعقدة في منطقة مضيق جبل طارق، وتقييم الزلازل والبنية التحتية.
انخراط وتقدم محسوب
يبدي هذا النهج أن مدريد تسعى للحفاظ على ورقة المشروع قائمة، دون التورط في التزامات مالية وسياسية مبكرة قد تكون محفوفة بالمخاطر، خاصة وأن المشروع لا يمكن أن يرى النور دون شراكة مغربية فعالة وتمويلات متعددة الأطراف.
زخم سياسي متجدد
يأتي تحريك هذا الورش الهندسي في سياق سياسي متقلب، فالعلاقات المغربية الإسبانية شهدت تحسنا ملموسا منذ أبريل 2022، حين زار رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز الرباط، معلنا دعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء المغربية، في القمة الثنائية لسنة 2023، عاد الحديث رسميًا عن إطلاق جديد للنفق كأحد المشاريع الاستراتيجية.
التقلبات الإقليمية
يظل هذا الزخم الدبلوماسي، رهن تطورات إقليمية متسارعة، سواء في شمال إفريقيا أو في الاتحاد الأوروبي، حيث تتزايد التحديات المرتبطة بالهجرة والطاقة والأمن.
مشروع يتجاوز الهندسة
لا يمكن قراءة مشروع النفق البحري كمجرد بنية تحتية لربط طنجة بقادس، بل وضعه في إطار أوسع: لتعزيز الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا، وتحقيق تحول نوعي في منظومة النقل والتبادل التجاري. كما ينظر إليه في المغرب كرافعة استراتيجية جديدة في سلاسل الإمدادات العالمية، خاصة في ظل الطموح المغربي ليكون بوابة إفريقية للرساميل والأسواق الأوروبية.
بين الطموح والواقع
يظل الرهان على نفق جبل طارق قائما، لكن تنفيذه لن يكون ممكنا دون توفر ثلاثة شروط: إرادة سياسية مستقرة_توافق مغربي إسباني دائم وشراكات تمويلية دولية قادرة على تحويل الحلم الهندسي إلى واقع قابل للتنفيذ.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا