جريدة الاخبار 24

الصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين يعيد رسم خريطة النفوذ العالمي


الصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين

تتصاعد حدة المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، في مشهد يعكس تحولا عميقا في العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، بدأت الحرب التجارية برسوم جمركية عالية، وتحولت اليوم إلى صراع استراتيجي أعمق، يشمل مكونات الاقتصاد والسياسة والجغرافيا.

من حرب رسوم جمركية إلى مواجهة استراتيجية
بحسب الورقة التحليلية لبكين المنشورة على صفحة “الصين بالعربية”، أن العلاقات مع واشنطن قد تجاوزت حدود الخلاف التجاري إلى ما هو أبعد، ولا تنظر الصين إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على السلع الصينية والتي وصلت إلى 104% على أنها مجرد أدوات ضغط اقتصادي، وجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض موقف الصين على الساحة الدولية، تعتبر الصين أن هذا الضغط الاقتصادي الحالي هو بمثابة “تجربة نفسية” للاستعداد لمواجهات أكبر قد تشمل الصراع العسكري، خاصة فيما يتعلق بالقضية الحساسة لتايوان.

فك الارتباط الاقتصادي للاستقلالية
تعتمد الصين في السنوات الأخيرة استراتيجية ممنهجة لفك الارتباط التدريجي مع الاقتصاد الأمريكي، خطوة تعكس استعدادها لتحمل الكلفة الاقتصادية على المدى البعيد، رغم انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلدين من 700 مليار دولار إلى 500 مليار دولار، وتراجع نسبة صادرات الصين إلى السوق الأمريكية من 20% إلى 15%، ما يشير أن بكين قد أصبحت أكثر استعدادا للبحث عن أسواق بديلة وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، تبدو هذه الاستراتيجية  محفوفة بالمخاطر، لكنها في الواقع تعكس رؤية بعيدة المدى لمستقبل الاقتصاد الصيني بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.

الصين تحول غير مسبوق
ما يثير الاهتمام بشكل خاص التحول الكبير في الرأي العام داخل الصين، ففي سنة 2018، كان نحو 30% إلى 40% من الصينيين يؤيدون تسوية تجارية مع واشنطن، ما ساهم في التوصل إلى اتفاقية “المرحلة الأولى” بين البلدين في سنة 2019، انخفضت اليوم هذه النسبة إلى أقل من 10%، وهو ما يعكس زيادة الثقة بالنموذج الاقتصادي والسياسي الصيني، وتراجع الاستعداد لتقديم التنازلات أمام الولايات المتحدة، يبدو أن الصين اتخذت قرارها بأنها لن تتراجع في هذا الصراع، حتى وإن كان الثمن مكلفا.

تدعيات الحرب التجارية
تواجه الولايات المتحدة تداعيات هذه الحرب التجارية داخليا، بينما تعتقد الحكومة الأمريكية أن فرض الرسوم الجمركية على الصين سيحفز الاقتصاد الأمريكي، وتشير بعض الدراسات أن حوالي 70% من الأمريكيين يعارضون هذه السياسة، بسبب تأثير الرسوم على السوق المالية، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، علاوة على ذلك، تسببت هذه السياسات في تدهور العلاقات مع بعض الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، مما فتح الباب أمام الصين لترسيخ تحالفاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي، اليابان، كوريا الجنوبية، وروسيا، مما يزيد من عزلة واشنطن على الساحة الدولية.

خسائر والصراع مستمر
قد تخسر الصين حوالي 1% من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة، فإن الورقة التحليلية تؤكد أن بكين مستعدة لتحمل هذه الكلفة، وترى الصين أن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة هي معركة استراتيجية طويلة الأمد، قد تكون نتائجها حاسمة على المدى البعيد، والواقع أن بكين ترى في هذا التحدي فرصة لتوسيع نفوذها على المستوى العالمي، بينما تضع في اعتبارها إعادة ترتيب علاقاتها الدولية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.

حرب وجودية بعيدة المدى
تشير التحولات في الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى أن هذا النزاع ليس مجرد حرب تجارية، بل هو صراع طويل الأمد على النفوذ العالمي، التي ترى فيه الصين نفسها في مواجهة مصيرية مع واشنطن، وأنها مستعدة لتحمل التكاليف الاقتصادية في سبيل تحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى، في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة تراجعا في شعبيتها الدولية، وتبدو الصين أكثر إصرارا على المضي قدما في تعزيز مكانتها كقوة عظمى.


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم الأمن في شمال إفريقيا والساحل

المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم حكيمة القرقوري تشهد منطقة شمال إفريقيا والساحل خلال السنوات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *