عامل إقليم تازة يترأس حفل توديع
احتضنت القاعة الكبرى للإجتماعات بعمالة إقليم تازة، صباح اليوم الثلاثاء 13 ماي الجاري، في مشهد اتسم بروحانية عالية واهتمام رسمي لافت، حفلا رسميا لتوديع الفوج المحلي من الحجاج المتوجهين إلى الديار المقدسة، في خطوة تجسد العناية الخاصة التي توليها السلطات الإقليمية لهؤلاء الزوار لبيت الله الحرام.
ترأس عامل الإقليم مصطفى المعزة، الحدث الذي لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي لتسليم الوثائق، بل حفل متكامل الأبعاد، غلب عليه الطابع التوجيهي والتأطيري، حضره شخصيات مدنية عسكرية وأمنية وعدد من المسؤولين الإداريين والعلماء وممثلي القطاعات الحيوية، ما يعكس مركزية الحج كمحطة روحية ووطنية تتطلب تعبئة شاملة.
في مستهل كلمته وجه عامل إقليم تازة، السيد مصطفى المعزة، كلمة مؤثرة إلى الحجاج المنحدرين من الإقليم، حثهم فيها على تجسيد صورة المغرب الحضارية والروحانية خلال مقامهم بالأراضي المقدسة، وأوضح السيد العامل على البعد الرمزي والتمثيلي للحج، واصفا الحجاج “بسفراء الوطن”، وعلى عاتقهم نقل قيم التسامح والانضباط التي تميز الهوية المغربية، في فضاء يجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع العالم، وأكد المعزة أن الرعاية السامية التي يخص بها جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، حجاج المملكة، تجسدت في تسخير طواقم طبية وإدارية وعلمية ودينية مرافقة، تسهر على تأطير الحجاج وتمكينهم من أداء مناسكهم في أجواء آمنة وميسّرة، وكما دعا المسؤول الترابي حجاج الإقليم إلى الالتزام بالإرشادات التنظيمية الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، واحترام توجيهات سلطات المملكة العربية السعودية، حفاظا على النظام وسلاسة الأداء الجماعي للمناسك، وفي ختام كلمته، لم يفت السيد العامل التذكير بواجب الدعاء لأمير المؤمنين في تلك البقاع الطاهرة، راجيا أن يكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا، وأن يعودوا إلى أرض الوطن سالمين غانمين.
في مداخلة ذات بعد تربوي وروحي، حرص رئيس المجلس العلمي المحلي لتازة على تأطير الحجاج المتوجهين إلى الديار المقدسة بمجموعة من التوجيهات التي تجمع بين الفقه العملي والنصح السلوكي، مؤطراً بذلك الجانب الديني لموسم الحج ضمن رؤية شمولية تراعي البعد الأخلاقي والتعبدي للمناسك، شكلت هذه المداخلة محطة أساسية في برنامج التوديع الرسمي، حيث شدد رئيس المجلس العلمي على ضرورة الإلمام بمناسك الحج على الوجه الصحيح، مبرزا أهمية التزود بالعلم والمعرفة لضمان أداء الشعيرة في إطارها السليم والمشروع، دون الوقوع في محظورات أو مخالفات قد تنقص من أجر الحاج أو تعكر صفو رحلته الإيمانية، ولم يقتصر الخطاب على التوجيه الفقهي، بل امتد ليشمل دعوة صريحة للتحلي بالقيم النبيلة، وعلى رأسها الصبر والتواضع وضبط النفس، باعتبارها خصالا جوهرية ينبغي أن تصاحب الحاج طيلة مقامه في الأراضي المقدسة، وأكد المتحدث على ضرورة استحضار معاني القدوة والتمثيل الأخلاقي للمغاربة، والدور الذي يمكن أن يضطلع به الحاج في نقل صورة مشرقة عن وطنه في محفل إسلامي جامع، وايضا ذكّر رئيس المجلس العلمي بأهمية أركان الحج الأربعة، داعيا إلى عدم الانشغال بالقشور على حساب جوهر العبادة، وإلى استحضار التقوى كزاد روحي لا غنى عنه في هذه الرحلة التي تعد محطة تطهير وتجديد للعهد مع الله.
في إطار المقاربة التوعوية التي واكبت اللقاء الرسمي لتوديع حجاج إقليم تازة، تدخلت الطبيبة الممثلة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية لتسليط الضوء على الجوانب الصحية الأساسية التي ينبغي أن تحظى بأولوية قصوى لدى الحجاج أثناء تأدية مناسكهم، وقد أكدت الطبيبة، في عرض تحسيسي موجز ودقيق، على أهمية الوقاية باعتبارها الركيزة الأولى للحفاظ على سلامة الجسم في ظل الظروف المناخية والازدحام البشري الكبير الذي يطبع موسم الحج، وشددت على ضرورة الالتزام بالقواعد الصحية الأساسية، منها: النظافة الشخصية، والتغذية المتوازنة، وتجنب التعرض المفرط لأشعة الشمس، إلى جانب شرب كميات كافية من الماء لتفادي حالات الجفاف أو الإرهاق الحراري، كما أبرزت المتحدثة أهمية أخذ الحيطة من التسممات الغذائية أو الأمراض التنفسية المعدية، خصوصا في ظل التنقل الجماعي والتقارب المكاني داخل المشاعر المقدسة، موضحة أن الأمان الصحي يبدأ بالوعي الفردي والسلوك الوقائي اليومي، ولم تغفل الطبيبة الإشارة إلى دور البعثات الصحية المغربية المرافقة، داعية الحجاج إلى عدم التردد في التوجه إليها فور الشعور بأي اضطراب صحي، مهما بدا بسيطا، تفاديا لتفاقم الحالات أو تعقيد التدخلات، شكلت هذه التوصيات، في مجملها، دعوة صريحة لجعل الصحة أولوية في تجربة الحج، باعتبارها شرطا أساسيا لأداء المناسك في ظروف آمنة وميسّرة.
لم يكن حفل توديع الحجاج بإقليم تازة مجرد محطة بروتوكولية تسبق رحلة روحانية نحو الديار المقدسة، بل شكّل لحظة رمزية بليغة تختزل فلسفة المملكة المغربية في تدبير موسم الحج باعتباره مناسبة دينية بامتياز، لكنها متشبعة بدلالات حضارية، سلوكية، ودبلوماسية ناعمة، برز من خلال التدخلات بوضوح التوجه الاستراتيجي الذي يجعل من الحاج المغربي سفيرا لقيم بلاده، يتلقى تأهيلا نفسيا وأخلاقيا يرقى إلى مستوى التمثيل الوطني وسط محفل إسلامي عالمي يستقطب ملايين المسلمين من مختلف الجنسيات والثقافات، لا ينفصل هذا التأطير عن المرجعيات العليا التي تؤطر العملية، وعلى رأسها التوجيهات الملكية السامية التي تعتبر بمثابة خارطة طريق لضمان موسم حج منظم وآمن، تصان فيه كرامة المواطن وتضمن له شروط الراحة والتأطير الصحي والديني والإداري.
واختتم حفل التوديع ، بما تضمنه من رسائل رمزية وتعبوية، أن إقليم تازة يترجم فعليا انخراطه في الرؤية الوطنية التي تتعامل مع الحج كركن ديني، بل كتجربة وجودية وإنسانية تساهم في تهذيب السلوك، وتعزيز الانتماء، وتقديم صورة حضارية مشرقة عن المغرب في محفل تتقاطع فيه الروحانية مع التعدد الثقافي والديني.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا