المبادرة الأطلسية رؤية تعيد رسم
أبرزت المبادرة الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تحولا نوعيا في الدور الجيوسياسي للمغرب، كمعطى استراتيجي جديد يعيد معادلات التعاون جنوب-جنوب ويكرس حلقة وصل محورية بين إفريقيا وباقي الدول، لا تندرج هذه المبادرة وفق التحليل الصادر عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، في إطار المشاريع الظرفية أو التحركات الدبلوماسية العابرة، بل تمثل رؤية متكاملة لبناء تحالفات قائمة على التكامل التنموي والاستقرار السياسي، في وقت تعاني فيه القارة الإفريقية من هشاشة هيكلية على أكثر من صعيد.
أبعاد سياسية وتحولات جيوستراتيجية
ليست القيمة المضافة للمبادرة الأطلسية محصورة في بعدها الاقتصادي، رغم ما تحمله من فرص استثمارية ومشاريع بنية تحتية عملاقة، بل تتجاوز ذلك إلى إعادة هندسة التوازنات الإقليمية من خلال إرساء شبكة شراكات مستقرة ومتوازنة، تربط بين دول غرب إفريقيا والساحل، وتفتح المجال أمام اندماج فعلي في المنظومة الاقتصادية الأطلسية، تقوم هذه الرؤية، على تجاوز منطق التنافس الإقليمي التقليدي نحو نموذج تعاون تنموي مشترك، يدمج الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين، ويضمن استدامة دينامية التعاون على المدى الطويل.
البنية التحتية رافعة جيوسياسية
لم يكن التحول المغربي إلى فاعل مركزي في السياسات الإفريقية وليد صدفة، بل جاء نتيجة تراكم استثمارات استراتيجية مدروسة، خاصة في مجال البنيات التحتية، وكما يعتبر ميناء طنجة المتوسط نموذجا لهذا التحول، بعدما بات منصة لوجستيكية ومالية تربط بين إفريقيا وأوروبا ويتجاوز دوره التقليدي كمرفأ لتصدير البضائع.
البنية التحتية جسر إفريقيا للعالم
تشكل شبكة الطرق السيارة، وخطوط السكك الحديدية عالية السرعة، والمناطق اللوجستيكية المتصلة بها، العمود الفقري لمشروع الربط القاري، الذي لا يقتصر على تعزيز التجارة فقط، بل يهدف إلى دمج الاقتصادات الإفريقية في السلاسل القيمة العالمية.
بوصلة المغرب الجديدة
لا يكتفي المغرب بربط الداخل، بل يمد جسور الربط نحو العمق الإفريقي، عبر مشاريع مهيكلة منها: طريق تيزنيت–الداخلة، والممرات الحدودية المؤدية إلى موريتانيا ومالي، هذه المشاريع لا تترجم رغبة الرباط في توسيع مجالها الحيوي، بل تعكس إدراكا استراتيجيا لدور المغرب كمزود للمنطقة الأطلسية بإفريقيا بواجهة بحرية مستقرة وآمنة.
الاستقرار رصيد في محيط مضطرب
من أبرز العوامل التي تعزز الثقة في المبادرة الأطلسية، وفق الدراسات، قدرة المغرب على الحفاظ على استقرار سياسي ومؤسساتي نسبي في محيط إقليمي يتسم بالتحولات السريعة والاضطرابات المتكررة، بتحول هذا الاستقرار إلى أصل استراتيجي تعتمده المملكة في تسويق موقعها كوسيط موثوق به بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
المغرب في قلب المعادلة الإفريقية
لم تعد المبادرة الأطلسية مجرد مشروع بنية تحتية أو خطة تعاون دبلوماسي، بل غدت تعبيرا عن تحول عميق في دور المغرب على الصعيدين القاري والدولي، ورؤية استراتيجية تراهن على تنمية مشتركة، استقرار إقليمي، وشراكات ذكية، تضع المملكة في قلب معادلات القوة الإفريقية الجديدة، لا يعيد المغرب التموقع في إفريقيا، بل يعيد توجيه بوصلة القارة نحو أفق أطلسي أرحب.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا