المرجة الزرقاء بمولاي بوسلهام
مليكة بوخاري
في سياق تتنامى فيه التحديات البيئية وتتعاظم مؤشرات الخطر على النظم الإيكولوجية الهشة، احتضن مولاي بوسلهام أيام 23 و24 و 25 ماي الجاري، لقاءا دراسيا وتكوينيا رفيع المستوى، تحوّل إلى فضاء دينامي لتلاقي الخبرات العلمية والتجارب الميدانية، في إطار حملة ترافعية من أجل حماية التنوع البيولوجي، وقد جاءت هذه المبادرة بمبادرة من جمعية الغرب للمحافظة على البيئة، وبدعم من صندوق المنح الخضراء، وبشراكة مع المجلس الجماعي والوكالة الحضرية القنيطرة-سيدي قاسم-سيدي سليمان والمديرية الاقليمية للمياه والغابات وجامعة ابن طفيل ثلة من الأساتذة والطلبة الجامعيين وكذا الجمعيات البيئية، لتجسد خطوة استراتيجية نحو إدماج الرؤية العلمية في صلب السياسات المحلية الرامية إلى صون الموارد الطبيعية.
لم يكن اللقاء حدث بيئي نمطي، بل منصة تفاعلية جمعت بين الفاعلين المؤسساتيين، كالوكالة الحضرية والمديرية الإقليمية للمياه والغابات، والجامعة الأكاديمية ممثلة بجامعة ابن طفيل، إلى جانب حضور لافت لخبراء وأساتذة جامعيين، وهو ما يعكس توجها نحو مقاربة تشاركية تستحضر البعد العلمي في صياغة حلول واقعية.
غير أن ما ميّز اللقاء بشكل خاص، هو الانفتاح على الفاعلين المحليين خصوصا النساء المرتبطة بجمع صدفيات الوحل، وهو قطاع تقليدي هش، يعكس تداخلا عميقا بين النشاط الاقتصادي والموارد الطبيعية المهددة، في هذا الإطار، بدت الأنشطة التكوينية كأداة مزدوجة: للتوعية من جهة، ولتمكين الفئات المستهدفة من جهة أخرى.
لا يقتصر الرهان الحقيقي لهذا اليوم البيئي على رفع الوعي، بل يتمثل في تحويل النقاشات النظرية إلى توصيات علمية قابلة للتنفيذ، تأخذ بعين الاعتبار هشاشة النظم البيئية في منطقة المرجة، التي تعد من أبرز المواقع التي تواجه تهديدات متعددة: من ضغط بشري متزايد إلى اختلالات في الدورة الإيكولوجية، وفي هذا السياق، لا يكتفي المنظمون بالتحسيس، بل السعي لتشكيل لبنة أولى نحو مأسسة التدبير البيئي المحلي، عبر إشراك مختلف الفاعلين في صياغة سياسات بيئية دقيقة وفعالة.
في موازاة الورشات العلمية، حملت الخرجة الإيكولوجية طابعا مختلفا، حيث اختار المنظمون الانفتاح على تجربة نساء “الميخا”، وهن نساء ينشطن في محيط بيئي هش، ويتعاملن يوميا مع معطيات الطبيعة، بقدر ما يهددها الإهمال والسياسات العشوائية، بقدر ما تعكس قدرتها على التحمل والاستدامة.
لم تكن الخرجة جولة استكشافية، بل لحظة تأمل في العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة، ودعوة لإعادة الاعتبار للمعارف التقليدية التي تحملها هذه النسوة، بدءا من طرق استغلال الموارد البحرية، وصولا إلى فهم عميق لتقلبات البيئة المحلية، إنها معرفة متوارثة، غالبا ما تقصى من السياسات العمومية، رغم ما تحمله من قيمة.
لا يمكن الحديث في العمق عن حماية بيئية دون تمكين اجتماعي، تكشف تجربة مولاي بوسلهام عن محاولة لردم الهوة بين خطاب بيئي نخبوي، ومعيش يومي تحكمه التحديات الاقتصادية والبيئية، فالتنوع البيولوجي، في النهاية، ليس إرثا طبيعيا، بل أيضا رهانا تنمويا يتطلب إدماج الفئات الهشة، والاعتراف بدورها كشريك في الحفاظ على البيئة.
يتمثل الرهان القادم في القدرة على تحويل هذه المبادرات إلى التزامات مؤسساتية، وتثمين الخلاصات التي خرج بها اللقاء، بما يضمن استمرارية الدينامية البيئية والاجتماعية، ويجعل من مولاي بوسلهام نموذجا محليا للتفاعل الذكي بين العلم، والسياسات، والمجتمع.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا