حفتر يوجه رسائل إقليمية بذكرى
احتضنت مدينة المشير خليفة حفتر، مشهد يعكس ديناميكيات معقدة داخل المشهد الليبي، عرضا عسكريا ضخما، احتفالا بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق عملية “الكرامة”، يرتبط هذا الحدث بإعادة هيكلة المشهد الأمني في شرق البلاد.
شهد الاستعراض، عدد من كبار المسؤولين في مقدمتهم قائد الجيش المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الحكومة الموازية أسامة حماد، حمل أبعادا تتجاوز الرمزية الاحتفالية، إذ تم الكشف عن معدات وأسلحة متطورة تعرض لأول مرة، في مشهد بدا أقرب إلى خطاب سياسي ميداني موجه للداخل والخارج، مفاده: “نحن هنا جاهزون”.
استعراض للقوة أم تموضع جديد؟
في ظل تصاعد حدة الاستقطاب السياسي وتعثر المسارات السياسية في البلاد، يقرأ محللون هذا العرض العسكري بوصفه رسالة مزدوجة، محليا، يسعى حفتر لترسيخ حضوره كرقم صعب في معادلة السلطة، واستباق أي ترتيبات دولية قد تعيد خلط أوراق النفوذ، خارجيا، يوجه الجيش من شرق ليبيا إشارات واضحة حول مدى جاهزيته للعب دور محوري في ملف الأمن الإقليمي، خاصة في ما يتعلق بالحدود الجنوبية ومكافحة الإرهاب.
البعد الإقليمي حضور مغربي
من بين الحضور البارزين، وفد مغربي رسمي مشاركته في الحدث، في دلالة لم تغب عن المتابعين، باتت الرباط، لعقود تفضل موقع الوسيط في الأزمة الليبية، وأكثر انخراطا في الملفات الأمنية، دون أن تتخلى عن حيادها الدبلوماسي التقليدي، وبحسب المحلل السياسي الليبي إدريس أحميد، فإن حضور المغرب يأتي ضمن استراتيجية دعم بناء مؤسسات الدولة الليبية، وعلى رأسها الجيش، مؤكّدا على أهمية التعاون العسكري بين دول الجوار المغاربي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، خصوصا في الجنوب الليبي الذي يعد بوابة مفتوحة أمام شبكات التهريب والجريمة المنظمة.
شدد المشير خليفة حفتر في كلمته خلال العرض العسكري، أن الهدف الأساسي للجيش الوطني يتمثل في “استعادة الدولة الليبية” وترسيخ أمنها واستقرارها، مؤكدا التزام المؤسسة العسكرية بدورها في حماية البلاد. هذا الطرح يعكس توجّهًا واضحًا نحو توسيع دور الجيش ليشمل الحضور السياسي، لا الأمني فقط، في مرحلة ما بعد الصراع. غير أن هذا التوجه يثير جدلاً داخليًا متصاعدا بشأن حدود تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، وسط تحذيرات من مخاطر عسكرة الدولة في ظل الانقسام المؤسساتي المستمر بين شرق البلاد وغربها.
يأتي العرض العسكري في توقيت بالغ الحساسية، تزامنا مع تحركات دولية متجددة لإحياء المسار الانتخابي المتعثر في ليبيا، ما يجعل من ظهوره بهذه القوة والمشهد رسالة محسوبة وليست عفوية، يعكس العرض على الصعيد الداخلي، تأكيدا تموضع الجيش في معادلة النفوذ والسيطرة، بينما يوجه خارجيا إشارة واضحة إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين بأن المؤسسة العسكرية في الشرق تطمح إلى الاعتراف بدورها كشريك أساسي في صياغة مستقبل البلاد الأمني والسياسي.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا