من الصمت الموريتاني إلى الحسم
حكيمة القرقوري
تعرضت الدبلوماسية الجزائرية لسلسلة من الانتكاسات المتوالية، منذ إعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، رغم التصعيد اللفظي والتهديدات المتكررة الصادرة عن النظام العسكري الجزائري.
تصعيد جزائري بلا أثر ميداني
يبقى الواقع الميداني ثابتًا رغم التصعيد اللفظي والاستعراضات العسكرية،دون أي تغيير فعلي على الأرض. وفي ظل هذا الجمود، اختارت الجزائر تصعيدا متعدد الأوجه، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، مدعوما بخطاب عدائي وتحركات استعراضية تفتقر إلى التأثير العملي، وتوصل دعمها لمليشيا البوليساريو، مستعملة أدوات الضغط والابتزاز الدبلوماسي في تعاملها مع عدد من العواصم الأوروبية، من بينها مدريد وباريس ولندن، على خلفية مواقفهم المؤيد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وقد ساهم هذا النهج التصادمي في تعميق عزلة الجزائر إقليميا ودوليا، مع تراجع قدرتها على التأثير الفعلي في مجريات النزاع.
موريتانيا تغير قواعد اللعبة
يشهد المشهد الإقليمي تحولا محوريا تقوده موريتانيا، التي تبنت موقفا واضحا وحاسما عبر فرض قيود صارمة على تحركات مليشيا البوليساريو داخل أراضيها، يعكس هذا القرار إدراكا متقدما بأهمية ضبط الحدود كعنصر أساسي في الاستقرار الإقليمي، ويرسخ في الوقت ذاته التنسيق الأمني مع المغرب، بما يمنح الرباط تفوقا ميدانيا متزايدا، يشكل خروج نواكشوط من منطقة الحياد المتردد، ودخولها في مسار أمني فاعل، تحولا نوعيا في ميزان النزاع الإقليمي، خصوصا في أعقاب التدخل المغربي الحاسم بمعبر الكركرات في نونبر 2020، وعدم استجابة موريتانيا لمحاولات الترهيب التي كانت تنهجتها البوليساريو.
موريتانيا تعيد إحكام حدودها
أعلنت موريتانيا في خطوة استراتيجية غير مسبوقة، تحديد 82 نقطة حدودية برية إلزامية، من ضمنها ثماني نقاط مع المغرب، ما يعكس تحولا عمليا لاستعادة الجيش الموريتاني سيطرته الكاملة على حدوده، يضع هذا الإجراء حدا لاستخدام أراضي موريتانيا كممر خلفي من مليشيا البوليساريو لتنفيذ عملياتها ضد المغرب، منهيا بذلك مرحلة طويلة من التساهل الميداني، رغم جسامة التحول، لم ترافقه تصريحات سياسية صاخبة أو مواقف دعائية، بل جاء هادئا ومدروسا، ليؤكد أن نواكشوط اختارت الانتقال من موقع “الحياد السلبي” إلى موقع الانخراط الواقعي والمسؤول في ترسيخ أمن المنطقة وضبط قواعد المواجهة الجغرافية والعسكرية.
تحولات حاسمة في قواعد المواجهة
لم تقتصر الخطوة الموريتانية الحاسمة على بعد عسكري فحسب، بل تجاوزتها لتعيد تشكيل قواعد مواجهة مسلحة جيوسياسية في المنطقة برمتها، فقد صار من المستحيل على مليشيا البوليساريو استغلال الأراضي الموريتانية كقاعدة لعملياتها، ما يفرض عليها تقليص نشاطها ويمنح المغرب اليد العليا في ضبط الحدود، تعكس هذه الديناميكية الجديدة تحولا نوعيا في ميزان القوى العسكري، حيث تتقلص قدرات البوليساريو الهجومية تدريجيًا، بينما يرسخ الجيش المغربي موقعه كقوة بشكل كامل ونهائي على الأرض.
الجزائر بين نفي التورط وهشاشة الواقع
تظل الحقيقة على الأرض مختلفة تمامًا. رغم التصعيد العسكري والبيانات الحادة الصادرة عن القيادة الجزائرية، إذ تستمر في نفي كونها طرفا مباشرا في النزاع، رغم الأدلة القاطعة على تدخلاتها المباشرة ودعمها المتواصل لمليشيا البوليساريو، في ظل تصاعد المشهد الداخلي المضطرب اقتصاديا وسياسيا، والتوترات الإقليمية والداخلية، يبدو خوض حرب مفتوحة مع المغرب مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد لا تحمد عواقبها، إلى جانب الحزام الأمني المحاط بالصراعات الإقليمية مع الجيران، ما يعمق من هشاشة الموقف العسكري والسياسي للقيادة في قصر المرادية.
تغيير الموازين عبر ضبط الحدود
تشكل الخطوات المتسارعة التي تبنتها موريتانيا، إلى جانب الانتصارات الميدانية المتلاحقة التي حققتها القوات المسلحة الملكية المغربية، منعطفا حاسما في إعادة رسم خريطة النزاع الإقليمي، يتجلى في هذا السياق بوضوح أن التحولات الجوهرية لا تصنع عبر التصريحات المتوترة أو التهديدات الإعلامية، بل من خلال السيطرة الفعلية على الأرض وتأمين الحدود المشتركة، وهو ما تم ترسيخه بوضوح على امتداد الشريط الحدودي بين المغرب وموريتانيا، لتجد الجزائر نفسها محاصرة في شبكة معقدة من التحديات الميدانية والسياسية، ما قد يدفعها إلى مراجعة استراتيجياتها التقليدية، في ظل واقع لا يقبل التردد أو المحاولات المجانية للانخراط في صراعات مفتوحة.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا