حجيرة قانون قيد الإعداد لحماية
يواجه المغرب، في ظل تصاعد الظواهر التجارية المرتبطة بالفضاء الرقمي، تحديا يتمثل في تنظيم سوق الإشهار عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، التي باتت فضاءاخصبا لترويج المنتجات بأساليب تفتقر في كثير من الأحيان إلى الشفافية والمصداقية.
تضليل إشهاري يهدد وعي المستهلك
يثير هذا الوضع القلق، في ظل تزايد المحتويات الدعائية التي يروج لها تفتقر إلى التأهيل والكفاءة العلمية المهنية اللازمة، ما يجعل المستهلك عرضة لمخاطر التضليل واتخاذ قرارات شرائية غير مستنيرة، في غياب ضوابط واضحة تضمن شفافية الرسائل الإشهارية ومصداقية الجهات المروّجة.
إشهار مضلل يهدد سلامة المستهلك
لم يعد غريبا أن يصادف المتصفح المغربي إعلانات تروج لما يزعم أنه منتج سحري لعلاج مرض مزمن، أو وصفة تجميلية ذات مفعول خارق، أو جهاز إلكتروني بخصائص لا صلة لها بالواقع، وغالبا ما تستند هذه الإعلانات إلى الثقة الاجتماعية التي يحظى بها بعض الرقميين، لتقديم محتوى دعائي يفتقر إلى أدنى معايير الدقة العلمية والمهنية، في ظل غياب تأطير قانوني صارم، قد انزاحت الممارسة الإشهارية من مجال الإبداع التسويقي إلى ممارسات تجارية مضللة، تهدد ليس القدرة الشرائية للمستهلك، بل تمس أيضا بصحته وسلامته، لا سيما عند الترويج لمواد طبية أو استهلاكية خارج الأطر القانونية والرخص المعتمدة.
قانون مرتقب لكبح فوضى الإشهار الرقمي
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة طفرة رقمية متسارعة لم تواكبها تشريعات كافية، ما أدى إلى ظهور فراغ قانوني استغله فاعلون تجاريون جدد، يشتغل بعضهم تحت يافطات للتأثير أو المراجعة، في حين يمارسون عمليا دور المروج التجاري دون خضوع لأي رقابة، دفع هذا الوضع الحكومة إلى مراجعة الإطار القانوني المنظم للإشهار، لاسيما في شقه الرقمي، وفي هذا السياق، أعلن كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة، عن إعداد مشروع قانون جديد يرمي إلى حظر الإشهارات المضللة، من خلال تقنين هذا المجال ووضع ضوابط ملزمة تضمن حقوق المستهلك وتضع حدا للفوضى التي تشوب الممارسات الدعائية.
مشروع قانون يعيد الثقة للإشهار الرقمي
أفاد كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة أمام البرلمان، أن مشروع القانون المرتقب سيقوم على مبادئ الشفافية والمصداقية، ويتضمن إجراءات زجرية ضد الإعلانات المضللة، تشمل غرامات مالية والمنع الكلي لبعض المواد الدعائية، وسيتم توسيع نطاق المسؤولية ليشمل الأفراد والشركات على حد سواء، وأوضح حجيرة أن هذا التحول التشريعي لا يعد مجرد استجابة ظرفية، بل يمثل نقلة نوعية في مقاربة الحكومة لحماية المستهلك، لاسيما في ظل تنامي تأثير سوق الإشهار الرقمي، الذي بات يوازي وإن لم يتفوق على الإشهار التقليدي من حيث الانتشار والتأثير.
الإشهار الرقمي في صلب المراقبة
ما يلفت الانتباه في تصريحات المسؤول الحكومي هو الربط المباشر بين تنظيم الإشهار الرقمي وتعزيز رقابة الدولة على جودة السلع المتداولة في السوق الوطنية. فقد أظهرت المعطيات الرسمية أن السلطات منعت دخول أطنان من السلع إلى التراب المغربي خلال سنة 2024، عقب إخضاع أكثر من 130 ألف ملف استيراد لعمليات المراقبة. وهو ما يعكس تنامي الوعي المؤسساتي بأهمية التدخل الاستباقي لحماية صحة وسلامة المواطنين، وتكريس ثقافة الجودة والمطابقة في مسار تعزيز الثقة في السوق.”
بين التحدي والإرادة السياسية
لن يكون نجاح هذا المشروع القانوني رهين بالمصادقة عليه فحسب، بل يتوقف بالأساس على مدى قدرة الحكومة على تفعيل آليات المراقبة الرقمية، وتطوير شراكات فعالة مع كبريات المنصات الاجتماعية لضمان تنزيل مقتضياته على أرض الواقع، وأيضا يقتضي الأمر إشراك المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وجمعيات المستهلكين في التوعية والمساءلة، وفتح نقاش عمومي واسع حول حدود حرية التعبير التجاري، وحقوق المعلنين، بما يتماشى بين هذه الحقوق من جهة، وبين مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية من جهة أخرى، سعيا نحو تحقيق توازن يحمي السوق من التضليل، ويعزز ثقافة استهلاكية ناضجة ومسؤولة.
📰 اقرأ هذا المقال على Google News: اضغط هنا