جريدة الاخبار 24

اعتقال جاسوس يرفع سقف التوتر السياسي ويربك الأمن الألماني


اعتقال جاسوس يرفع سقف التوتر

أعلنت النيابة العامة الفيدرالية بألمانيا، يوم الثلاثاء 1 يوليوز من الشهر الجاري، عن اعتقال شخص في الدنمارك يشتبه في تجسسه لصالح إيران واستهدافه لأهداف يهودية في برلين، يأتي هذا الخبر في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها أوروبا، بين تصاعد التوترات الجيوسياسية وتصاعد المخاوف الأمنية، وعلى الرغم من ذلك تبدو هذه الحادثة كأحد الحوادث الأمنية المتكررة في القارة الأوروبية، إلا أن خلفياتها وسياقاتها تكشف عن أبعاد أعمق مرتبطة بالصراعات الخفية بين طهران والغرب، لا سيما في الأراضي الأوروبية.

اعتقال جاسوس بأوروبا
تم اعتقال “علي س.” في مدينة آرهوس الدنماركية، وفقا لبيان النائب العام الألماني، بعد قيامه بمسح ميداني لثلاثة مواقع تابعة للجاليات اليهودية بالعاصمة برلين، من بينها مقر “الجمعية الألمانية-الإسرائيلية”، وتشير التحقيقات إلى أن هذه العمليات كانت بناءا على أوامر مباشرة من جهاز استخبارات إيراني، ويعتقد ارتباط “علي س.” بفيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني المكلف بالمهام الاستخباراتية والعسكرية خارج حدود إيران.

تصاعد التهديدات في البعد الأمني
لا يمكن فصل هذا الاعتقال عن الواقع الأمني المتوتر في ألمانيا منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، إثر هجوم حركة ح.م.ا.س على إسرائيل، وضعت الأجهزة الأمنية الألمانية منذ ذلك الحين نفسها في حالة تأهب قصوى تحسبا لهجمات محتملة تستهدف الجاليات اليهودية أو المصالح الإسرائيلية داخل البلاد، وعلى الرغم من حرص برلين على حماية حرية التعبير والتنوع الديني، فإن تكرار محاولات الاستهداف، كمحاولة تفجير كنيسة في مدينة بوخوم سنة 2022، يضع الحذر الأمني في مقدمة الأولويات الوطنية، وتعكس الحادثة الأخيرة مدى تعقيد التهديدات التي تواجهها ألمانيا، إذ تتعامل من جهة مع تهديدات إرهابية تنبع من صراعات الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى تواجه تحديات استخباراتية متقدمة تنفذ عبر شبكات دولية تستغل الفضاء الأوروبي المفتوح.

أبعاد سياسية واستخباراتية
تعيد صلة “علي س.” بفيلق القدس إلى الواجهة تساؤلات حول مدى تغلغل إيران في العمق الأوروبي، فقد استخدمت الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة أدواتها الاستخباراتية لتنفيذ عمليات رصد واستهداف لمعارضين، ومنظمات يهودية، ومؤسسات مرتبطة بإسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتكمن خطورة هذا التمدد في أن نشاطاتها لا تقتصر على جمع المعلومات فحسب، بل قد تمتد أحيانا كما يشتبه في هذه القضية إلى التحضير لهجمات إرهابية محتملة، ما يشكل تصعيدا نوعيا في طبيعة النشاط الاستخباراتي الإيراني في الغرب، ومن المرجح أن هذه العمليات لا تنفصل عن جهود إيران للردع غير المباشر تجاه الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، خاصة في ظل تصاعد العزلة الدولية لطهران وتداعيات النزاع في غزة، حيث قد تستخدم أجهزة الحرس الثوري أدوات استخباراتية “نائمة” أو متخفية داخل أوروبا لإيصال رسائل سياسية.

توازن الأمن وحقوق الإنسان في ألمانيا
يضع هذا الحادث ألمانيا أمام تحد مستمر يتمثل في كيفية التوفيق بين حماية الأمن الوطني وضمان الحقوق المدنية والحريات الأساسية، قد تستغل زيادة الإجراءات الأمنية تجاه الجاليات المهاجرة أو المسلمة من الجماعات المتطرفة لتوجيه اتهامات بالتمييز أو القمع، يتعين على السلطات الألمانية التحرك ضمن إجراءات قانونية صارمة توازن بين الضرورات الأمنية والحفاظ الكامل على حقوق الإنسان.

استراتيجية أوروبية لمواجهة التجسس
يعد الاعتقال الأخير أكثر من نجاح أمني محدود، إذ يشكل دليلا واضحا على الحاجة الملحة لوضع استراتيجية أوروبية موحدة لمواجهة أنشطة التجسس والاختراق الاستخباراتي، إن تكرار مثل هذه الحالات في ألمانيا ودول أوروبية أخرى يسلط الضوء على وجود ثغرات أمنية وتنسيقية لا يمكن تجاهلها، ومن هنا، تبرز الضرورة الملحة لتبني نهج أمني متقدم يرتكز على تقنيات استخباراتية حديثة وتعاون دولي فعال، والحفاظ على المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطيات الأوروبية، وبينما تستمر الصراعات خارج الحدود، تمتد خطوط النار خفية إلى قلب أوروبا، ليصبح أمن الداخل مرآة لصراعات الخارج.


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

سلطات ميلانو تفكك شبكة تطرف تخطط لهجمات عنصرية تستهدف المهاجرين

سلطات ميلانو تفكك شبكة تطرف أعلنت السلطات الأمنية في مدينة ميلانو، يوم الثلاثاء 9 يوليوز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *