جريدة الاخبار 24

إيران على حافة التحول صيف التصعيد بين ضغط الداخل وتهديد الخارج


إيران على حافة التحول صيف التصعيد

مليكة بوخاري

امتدت المواجهة العسكرية الأخيرة بين طهران وتل أبيب اثني عشر يومًا، مثّلت خلالها ذروة تصعيد متوتر في صراع استراتيجي طويل الأمد. لم تكن هذه الضربة مجرّد عمل عسكري محدود، بل كشفت عن تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك الإقليمي والدولي، بعد أن استهدفت واشنطن بدقة مواقع نووية حساسة داخل إيران، في خطوة أظهرت بوضوح أن صبر الإدارة الأمريكية قد نفد تجاه ما تعتبره “مراوغة استراتيجية” إيرانية.

النظام الإيراني بين التصدع والمناورة
لم تسقط العملية العسكرية النظام الإيراني، لكنها أصابت بنيته السياسية والمعنوية بتصدعات عميقة، داخليا وخارجيا، ودفعت القيادة إلى تبنّي نهج الانكفاء التكتيكي وتوسيع هامش المناورة بدل الانخراط في مواجهة مباشرة. جاء هذا التحول في سياق إقليمي ودولي بالغ التوتر، تتراجع فيه فاعلية الوساطات التقليدية وتزداد فيه احتمالات الانزلاق نحو مواجهات غير محسبوبة.

تحذير ورسالة أمريكية أكثر صرامة
تخلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن لغة التحذير الغامضة، معلنا صراحة أن صيف هذا العام سيكون مفصليًا في رسم مستقبل الجمهورية الإسلامية. الرسالة كانت واضحة: إما أن تتخلى طهران بشكل نهائي وغير قابل للمراجعة عن طموحها النووي، أو أن تدخل في طور جديد من العقوبات القصوى، قد لا يستثني تغييرات جذرية في بنية الحكم. هذا الموقف لا يُقرأ في إطار الحرب النفسية فحسب، بل يعكس تحوّلًا في العقيدة الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، يقوم على إعادة رسم قواعد الاشتباك من موقع الهيمنة لا المهادنة. ويأتي هذا التصعيد في ظل قناعة واشنطن بأن سياسة الضغط الاقتصادي لم تعد كافية لإحتواء الطموح الإيراني، لا سيما في ضوء تنامي التعاون العسكري بين طهران وكل من موسكو وبيونغ يانغ، بما يحمله من تهديدات تتجاوز الإقليم إلى معادلات الأمن العالمي.

الردع النووي في مواجهة الانهيار الداخلي
تتجلى معضلة النظام الإيراني في تناقضه البنيوي العميق: نظام يحمل خطابا ثوريا ويطمح إلى ترسيخ أدوات الردع الاستراتيجي، في وقت يعاني من واقع اقتصادي هش ونسيج اجتماعي متململ، أفرزت العقوبات الأمريكية، مدعومة بسوء الإدارة الداخلية، طبقة وسطى منهكة، وشبابا فاقدا للأمل، واقتصادا يتآكل بفعل التضخم والبطالة، وفي هذا السياق، لم يعد المشروع النووي مجرد ورقة أمنية، بل تحول إلى عبء داخلي يُضعف شرعية النظام ويُعمّق فجوة الثقة بين السلطة والشارع. فبينما تُغدق الدولة الموارد على تطوير أجهزة الطرد المركزي والصواريخ الفرط صوتية، تتسع معاناة المواطن الإيراني الباحث عن أبسط مقومات العيش في ظل تدهور العملة وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

طهران بين ضغط الشارع وتصعيد واشنطن
لم يعد الشارع الإيراني قابلا للاحتواء بالصمت أو القمع؛ فقد عبّر الإيرانيون، عبر موجات احتجاجية متكررة، لرفضهم المتصاعد لأولويات السلطة، مطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية عوض الانخراط في مشاريع تستند إلى القوة الرمزية والخطاب الثوري ، في هذا السياق المتوتر، تجد طهران نفسها محاصَرة بين تصاعد الغضب الشعبي داخليا، والضغوط الأمريكية المتزايدة خارجيا، حيث تزداد تعقيدات المشهد مع مؤشرات على تحوّل في العقيدة الأمريكية، من السعي لتعديل سلوك النظام إلى احتمال الدفع نحو تغيير القيادة نفسها، ومع غياب أي بوادر جدية من الجانب الإيراني للدخول في مفاوضات حاسمة بشأن برنامجها النووي، يبدو الأفق مفتوحًا على مزيد من التصعيد السياسي وربما الأمني، في ظل عجز واضح عن التوصّل إلى تسوية متوازنة تُنهي حالة الاستنزاف المتعددة الأوجه.

إيران بين رهانات الخارج وضغط الداخل
يبقى السؤال المحوري اليوم : هل لا زالت لدى طهران القدرة على الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام؟ ، وقد تبدو المؤشرات الأولية مشوبة بالحذر، حيث يراهن النظام الإيراني على تفكك المواقف الغربية، واستمرار الدعم من موسكو وبكين، فضلا عن تحولات محتملة في موازين القوى الإقليمية، غير أن هذا الرهان، رغم ما يبدو من واقع سياسي، ينطوي على مخاطر بنيوية تهدّد بتفكك داخلي، وسط تنامي الاحتقان الاجتماعي وتراجع قدرات الدولة الاقتصادية، لقد أثبتت تجارب التاريخ الحديث أن الأنظمة التي تُغرق نفسها في الحسابات الجيوبوليتيكية وتتجاهل التحوّلات الاجتماعية العميقة، غالبا ما تقاد إلى نهايات غير محسوبة، فلم تعد المسألة نزاعا تقنيا حول مشروع نووي، بل صراعا وجوديا بين منظومة حكم تأسست على منطق الثورة، وشعب يتوق إلى دولة تُبنى على منطق الحياة.

صيف على أعتاب التحوّل الكبير
لا يبدو صيف هذه السنة مجرد فصل عابر في تقويم الأزمات المتكررة، بل يشكّل منعطفًا مفصليًا في مسار إيران الإقليمي، في ظل تضاؤل الخيارات وتآكل هوامش المناورة، تجد طهران نفسها أمام مفترق حاسم: إما انتهاج تراجع استراتيجي محسوب، أو المجازفة بالانزلاق لمواجهة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة برمتها ، وبين ضغط داخلي يتصاعد وتكثيف خارجي لا يهدأ، تبدو الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات غير مألوفة، خاصة حين تتعطل قدرة النظام على مواكبة المتغيرات، وتتقاطع الأزمات عند نقطة اللاعودة.


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

سلطات ميلانو تفكك شبكة تطرف تخطط لهجمات عنصرية تستهدف المهاجرين

سلطات ميلانو تفكك شبكة تطرف أعلنت السلطات الأمنية في مدينة ميلانو، يوم الثلاثاء 9 يوليوز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *