جريدة الاخبار 24

المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم الأمن في شمال إفريقيا والساحل


المغرب يحقق قفزة فضائية تعيد رسم

حكيمة القرقوري

تشهد منطقة شمال إفريقيا والساحل خلال السنوات الأخيرة تحولات جيواستراتيجية متسارعة تعيد تشكيل موازين القوى وتستلزم تبني مقاربات أمنية مبتكرة تتجاوز الأطر الاستخباراتية التقليدية، في هذا الإطار، يسلط تقرير مجلة “ديفنسيا” العسكرية الإسبانية الضوء على بعد جديد في تطور المنظومة الأمنية المغربية، يتمثل في تحقيق التفوق المعلوماتي من الفضاء عبر اقتناء أقمار صناعية متقدمة من طراز “أوفيك 13” التي تعتمد على تقنية رادار متطورة تضمن رصدا دقيقا ومستمرا.

قفزة نوعية في القدرات المغربية
يمثل هذا التحول الاستراتيجي لدى المغرب نقلة نوعية تتجاوز تحديث تقني في مجال الدفاع، ليؤسس لمنظومة استخباراتية متقدمة تتمتع بقدرة تشغيل مستقلة ومستدامة عبر أبعاد متعددة، تعتمد هذه المنظومة على تقنيات استشعار حديثة تتيح مراقبة دقيقة ومستديمة، لا تتأثر بالعوامل المناخية أو البيئية التي تعيق الأساليب التقليدية، ومن خلال هذا التطور، يرسخ المغرب موقعه كقوة إقليمية ذات قدرة عالية على جمع وتحليل معلومات استخباراتية متطورة، تساهم في صون سيادته على حدوده، وعلى الاستقرار الإقليمي، إذ توفر هذه الخطوة أدوات جديدة للتخطيط الاستراتيجي، تمكّن من اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، قائمة على بيانات دقيقة ومستمرة، ما يعكس نقلة نوعية في كفاءة وفاعلية العمليات الاستخباراتية بالمملكة.

بداية التفوق الفضائي المغربي
دشن المغرب مرحلة جديدة في تاريخه الفضائي، منذ إطلاق القمرين الصناعيين “محمد السادس A” و”محمد السادس B”، متموقعا كفاعل إقليمي يمتلك القدرة على توظيف التكنولوجيا الفضائية في مراقبة الأرض، وضبط الحدود، وتتبع الأنشطة المشبوهة، ورغم الأهمية الرمزية والتقنية لهذين القمرين، دفعت محدودية التصوير البصري، الذي يتأثر بالعوامل الجوية وظروف الإضاءة، المغرب إلى البحث عن بدائل أكثر تقدما وفعالية، خصوصا مع اقتراب انتهاء العمر التشغيلي للقمرين الصناعيين.

المراقبة الفضائية بدقة متناهية
يمثل الانتقال في هذا السياق إلى تقنية الرادار قفزة نوعية في القدرات الاستخباراتية للمغرب. فالأقمار الصناعية المزودة برادارات الاستشعار عن بعد، مثل “أوفيك 13″، تتيح مراقبة مستمرة على مدار الساعة، وفي مختلف الظروف المناخية، دون أن تعيقها السحب أو العواصف أو الظلام، وتمتاز هذه المنظومة بقدرتها على إنتاج صور عالية الدقة تصل إلى 0.5 متر، ما يتيح رصد المركبات العسكرية الصغيرة، بل وحتى الأنشطة تحت الأرض، وبهذا يتحول القمر الصناعي من مجرد أداة للمسح الفضائي، إلى منظومة استخباراتية متكاملة، توفر بيانات استراتيجية دقيقة تدعم عملية اتخاذ القرار على أعلى المستويات.

رؤية فضائية للتهديدات العابرة للحدود
لا تقتصر دلالات هذا التحول النوعي في السياسة الفضائية المغربية على البعد التقني فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد جيوسياسية عميقة، ترسل من خلالها الرباط رسائل واضحة إلى حلفائها وخصومها على السواء. فالتعاقد مع الصناعات الجوية “IAI” لا يمكن فصله عن التحوّل التدريجي في أولويات المغرب الاستراتيجية، والذي يتجلى في تقليص الاعتماد على فرنسا وشركات الدفاع الأوروبية التقليدية، لصالح شراكات بديلة أكثر انسجامًا مع تطلعاته الأمنية والتكنولوجية. هذا التوجه الجديد يربك العواصم الأوروبية، خاصة باريس، التي ترى فيه تهديدًا لنفوذها التاريخي في المغرب والمنطقة المغاربية.

من الفضاء إلى الساحل 
لا ينحصر توظيف المنظومة الفضائية المتقدمة التي يعتمدها المغرب على مراقبة حدوده الشرقية أو تتبع التحركات في الصحراء المغربية، بل يمتد ليطال عمق منطقة الساحل، حيث تتقاطع مصالحه الأمنية مع تحديات إقليمية معقدة وعابرة للحدود، من الإرهاب، وتهريب الأسلحة، وشبكات الجريمة المنظمة، وفي هذا السياق، لا تعد هذه التكنولوجيا مجرد أداة رصد، بل تتحول إلى رافعة استراتيجية تعزز موقع المغرب كفاعل استباقي في حفظ أمن الإقليم، وكشريك موثوق ضمن التحالفات الدولية المعنية بمواجهة التهديدات غير التقليدية.

الفرق التكنولوجي والتفوق الفضائي
يثير هذا التطور تحديا استراتيجيا حقيقيًا للجارة الشرقية، التي تواجه فجوة تكنولوجية يصعب تجاوزها على المدى القريب، لا ترقى الجزائر باستثماراتها في المجال الفضائي، بأقمارها الصناعية إلى مستوى الدقة والاستقلالية التي توفرها منصة “أوفيك 13″، مما يترك المجال الجوي والحدودي للبلاد عرضة للرصد المستمر والدقيق بواسطة تقنيات متقدمة، وقد تفتح هذه الفجوة الباب أمام سباق تسلح فضائي إقليمي، أو تدفع الجزائر إلى البحث عن تحالفات بديلة لتعزيز موازناتها الأمنية، لا سيما في ظل التوترات المزمنة مع المغرب.

تحديات التفوق الفضائي المغربي
رغم ما تمنحه هذه الخطوة من تفوق استخباراتي نوعي، إلا أنها تضع المغرب أمام تحديات بنيوية بالغة الأهمية، لا تقل خطورة عن التهديدات الأمنية ذاتها، في مقدمة هذه التحديات، الكلفة المالية المرتفعة للمشروع، والتي يقدرها تقرير “ديفنسيا” بنحو مليار دولار، ما يستدعي تدبيرا محكما وضمان مردودية استراتيجية مستدامة، أما التحدي الثاني، فيكمن في العنصر البشري، إذ لا يكفي امتلاك تكنولوجيا متقدمة دون توفر كفاءات قادرة على تحليل المعطيات الرادارية المعقدة، وإدارة كم هائل من البيانات، وترجمتها إلى قرارات ميدانية دقيقة وفي الوقت الحقيقي، ويبدو أن الرباط واعية بهذه الإشكالية، إذ تعمل على معالجتها من خلال إطلاق برامج تدريب متخصص، وتعزيز شراكات أكاديمية وتقنية مع مؤسسات دولية رائدة في علوم الفضاء والاستخبارات.

الحدود تحت المراقبة الفضائية
لا يسعى المغرب من خلال اقتناء أقمار الاستشعار المتقدمة مجرد تأمين حدوده، بل لترسيخ منظومة متكاملة للتخطيط والرصد والتحكم من الفضاء، بما يمنحه أداة استراتيجية ذات طابع استباقي، يضع المغرب هذا الطموح ضمن نادي “النخبة الفضائية الإقليمية”، أي الدول التي تمتلك قدرات رصد مستقلة توظف في صياغة السياسات الأمنية والدبلوماسية والعسكرية من موقع تحكم معلوماتي متقدم، وبذلك لا يعد اقتناء القمر الصناعي “أوفيك 13” مجرد خطوة تقنية، بل إعلانا عن تحول عميق في العقيدة الأمنية المغربية، من الاعتماد التقليدي على المعطى الأرضي إلى إنتاج المعرفة الاستخباراتية عبر تقنيات فضائية فائقة الدقة، غير مرئية ولا تخضع للتشويش أو الإرباك.

تفوق فضائي يعيد رسم الأمن الإقليمي
يتحول ما بدأ كصفقة عسكرية تقليدية إلى دعامة استراتيجية لعقيدة أمنية مغربية جديدة، ترتكز على الهيمنة المعلوماتية، والاستشراف الاستخباراتي، وإدارة المخاطر بفعالية عالية، ومع هذا التحول، يبرز تساؤل جوهري: هل سيترجم هذا التفوق الفضائي إلى مقاربة إقليمية أكثر استقرارا وتوازنا؟ أم أنه سينذر بمزيد من التوتر في منطقة لا تزال تبحث عن معادلة آمنة للتعايش والتنسيق؟ تؤكد المؤشرات الراهنة أن المغرب يراهن على المستقبل بثقة، ليس فقط عبر تموقعه الجغرافي، بل من خلال امتلاكه مفاتيح الرصد والتخطيط من الفضاء، أما الإجابة الحاسمة، فستبقى رهن اختبار الزمن.


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

هل يعد قصف السمارة رسالة يأس أم فشل ميداني؟

هل يعد قصف السمارة رسالة يأس؟ مليكة بوخاري لم يكن القصف الذي استهدف مدينة السمارة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *