المغرب يعيد رسم نفوذه وعزلة الجزائر
الأخبار 24: مليكة بوخاري
يجري بقلب الساحل الإفريقي، معركة نفوذ غير معلنة، حيث يظهر المغرب كقوة قادرة على إعادة صياغة قواعد اللعبة، في حين تجد الجزائر نفسها حبيسة استراتيجيات تقليدية التي ثتبت فشلها، يكشف تقرير حديث لمعهد الشرق الأوسط للسياسات والاقتصاد، أن المغرب يحقق مكاسب استراتيجية ملموسة، بينما الجزائر تغرق في عزلة متزايدة، عاجزة عن قراءة التحولات الإقليمية.
عزلة الجزائر تتسع بالساحل الإفريقي
لم تعد الجزائر وسيطا موثوقا، ولا حتى القوة الإقليمية التي يمكن الاعتماد عليها، خلال سلسلة من الأحداث الأخيرة، انسحاب مالي من لجنة الأركان العملياتية المشتركة، إلى اتهامات دعم الإرهاب، وإغلاق المجال الجوي، وصولا إلى إسقاط طائرة مسيرة واستدعاء السفراء من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ترسم صورة واضحة لانهيار الدبلوماسية الجزائرية وفقدانها مصداقيتها على الصعيد الإقليمي، تكشف هذه التطورات أن نهج الوساطة التقليدية والاستراتيجية الأمنية القائمة على القوة العسكرية لم تعد قادرة على مواجهة التحديات المتسارعة في الساحل، حيث تتزايد الحاجة إلى أدوات نفوذ مرنة وقابلة للتطبيق على الأرض، قد يفرض الواقع الجديد للساحل أن تكون الدول قادرة على تقديم شراكات اقتصادية ملموسة وفرص تنموية حقيقية، بعيدا عن الاعتماد على خطاب سياسي أو ضغوط عسكرية بلا نتائج عملية، تجد الجزائر نفسها عاجزة عن تكييف استراتيجياتها مع هذا التحول، أمام تحد مزدوج: فقدان الثقة لدى الشركاء التقليديين، وتراجع نفوذها السياسي في مواجهة منافسين يحققون مكاسب ملموسة من خلال القوة الاقتصادية والدبلوماسية الذكية، ما يضعها في موقع انعزال يجعل من استعادة مكانتها مهمة صعبة ومعقدة.
المغرب يرسخ نفوذه عبر المشاريع الاستراتيجة
يثبت المغرب بوضوح أن القوة الاقتصادية والتخطيط الاستراتيجي يمكن أن يتفوق على القوة العسكرية والبيانات الدبلوماسية التقليدية كأداة نفوذ إقليمي، تمنح “المبادرة الأطلسية”، التي أطلقتها الرباط في ديسمبر 2023، لدول منها: النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد منفذا مباشرا للمحيط الأطلسي، ما يحول البنى التحتية المغربية إلى محور تأثير استراتيجي يرسخ مكانة المملكة ويمنحها دورا مركزيا في إعادة صياغة خرائط النفوذ بالساحل الإفريقي، لم يضف البعد الجغرافي انضمام موريتانيا إلى المبادرة فحسب، بل أكد قدرة المغرب على تحويل الاستثمارات والبنية التحتية إلى أدوات جذب للشركاء الإقليميين، إذ تعتمد المملكة على المنفعة الاقتصادية والتكامل العملي بدلا من فرض النفوذ بالقوة، تضمن هذه الاستراتيجية للمغرب تأثيرا مستداما، قادرا على تحدي أي منافس، ويضعه في موقع قوة يجعل من حضوره في الساحل رافعة لتحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل، ودور المملكة كلاعب محوري في المنطقة.
النفوذ المغربي يعيد تشكيل خريطة الطاقة
لا شيء يعكس التحولات الراهنة في الساحل الإفريقي بشكل أوضح من التنافس الطاقي بين المغرب والجزائر، فقد بريق مشروع أنبوب نيجيريا–أوروبا عبر الجزائر بعد انسحاب النيجر، ما أسقط رهانات الجزائر على استمرارية السيطرة على مسارات الطاقة الحيوية، اعتمد المغرب في المقابل، على مشروع الأنبوب النيجيري–المغربي الممتد عبر السواحل الغربية لإفريقيا وصولا إلى أوروبا، ما يعزز من قدرته على التحكم في تدفقات الطاقة وفتح أسواق جديدة لدول الساحل، وضمان تأمين المسارات الاستراتيجية للطاقة الأوروبية، بما يعكس مدى مرونته واستراتيجيته الفاعلة في مواجهة التحديات الإقليمية، لا يرفع هذا التحول مكانة المغرب الاقتصادية فحسب، بل يحوله إلى لاعب مؤثر على الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث أصبح حاسما في رسم التحالفات واتجاهات المشاريع الكبرى، في المقابل، تجد الجزائر نفسها في موقف خاسر على مستوى واحد من أهم الرهانات الاستراتيجية في القرن الإفريقي، إذ أضعف النفوذ انسحاب الشركاء الإقليميين من مشروعها الذي كانت تراهن عليه منذ عقود، ما يضعها أمام تحد مزدوج: إعادة بناء الثقة الإقليمية واستعادة مكانتها أمام منافس أثبت قدرته على تحويل الطموحات الاقتصادية إلى نفوذ ملموس وواقعي.
الصحراء المغربية ترسخ موقع المغرب الإقليمي
لا يمكن فهم التحولات الإقليمية في الساحل الإفريقي بمعزل عن ملف الصحراء المغربية، الذي بات يشكل بطاقة نفوذ استراتيجية للمغرب، من خلال شرعية مقترح الحكم الذاتي، وربطه بالتحالفات الاقتصادية والسياسية، واستثماره ضمن سياق التكامل الإقليمي، تمكن المغرب من تحويل قضية وطنية تقليدية إلى أداة تأثير ملموسة، ترسخ من مكانته الإقليمية وتفتح أمامه آفاق شراكات جديدة، في مجال الاستثمار والتنمية والبنية التحتية، يبرز هذا النهج قدرة المملكة على استثمار الملفات السياسية لصالح استراتيجيات اقتصادية ودبلوماسية متكاملة، ما يجعل من حضورها في الساحل قوة لا يمكن تجاهلها، في المقابل، تواصل الجزائر دعم البوليساريو، وتبني خطابا معاديا لمبادرات الرباط، ما يضاعف من عزلتها ويضعها أمام تحديات مزدوجة: ضعف مصداقيتها لدى دول الساحل وفقدان القدرة على استثمار الملف لصالح نفوذها الإقليمي، تجعل هذه الثنائية من النزاع حول الصحراء المغربية عاملا محوريا في رسم السياسات الإقليمية، حيث يبرز المغرب كلاعب قادر على تحويل القضايا السياسية إلى أدوات نفوذ عملية، بينما تظل الجزائر محاصرة ضمن إطار استراتيجيات تقليدية لم تعد تتوافق مع الواقع الجديد للساحل.
المغرب يعيد رسم النفوذ الإقليمي
حقق المغرب مكاسب استراتيجية ملموسة في الساحل الإفريقي بفضل مزج دقيق بين القوة الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية المرنة، ما جعله لاعبا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية، لم تقتصرعلى فتح منافذ اقتصادية لدول الساحل بالمبادرات المغربية، “المبادرة الأطلسية”، بل أعادت رسم خريطة التحالفات الإقليمية، وأرست نموذجا يوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسية ويمنح المملكة قدرة على التأثير في صنع القرار داخل دول الساحل، يعكس هذا النهج رؤية استشرافية بعيدة المدى، حيث يصبح النفوذ المغربي مرتبطا ليس بالقوة العسكرية وحدها، بل بالقدرة على تقديم حلول عملية ومستدامة لتحديات التنمية والتكامل الإقليمي، تبدو الجزائر في المقابل غارقة في عزلة دبلوماسية متزايدة، نتيجة اعتمادها على استراتيجيات تقليدية لم تعد تناسب ديناميات الساحل الحديثة، ما أفقدها القدرة على الحفاظ على دور الوسيط الموثوق ومصداقية نفوذها الإقليمي، ويبدو في هذا السياق، أن ميزان القوى قد انقلب لصالح المغرب، الذي لا يكتفي بالتموقع كلاعب محوري، بل يعيد كتابة قواعد النفوذ الإقليمي بما يضمن التفوق على منافسه التقليدي، ويجعل الساحل ساحة لصعوده الاقتصادي والسياسي المستدام.














