تآكل من الداخل وارتباك النظام الجزائري البوليساريو على حافة الانهيار

Nov 18, 2025 /

تآكل من الداخل وارتباك النظام الجزائري

مليكة بوخاري

تواجه البوليساريو اليوم واحدة من أعقد لحظاتها منذ تأسيسها، إذ لم تعد تعيش فقط تحت ضغط سياسي خارجي، بل باتت تئن داخليا تحت وطأة تصدعات بنيوية تهدد كيانها من الداخل، فقد أبدت الأشهر الأخيرة حالة غير مسبوقة من التخلخل التنظيمي، يتمثل في انقسامات، واستقالات شخصيات وازنة، وتراجع قدرة القيادة على ضبط الصفوف، وسط تصاعد الإحباط في القواعد الميدانية، لا تعكس هذه الاضطرابات مجرد خلافات ظرفية، بل تكشف عن أزمة عميقة في الشرعية والتصور، تتقاطع مع انسداد الأفق السياسي وغياب رؤية واضحة لمستقبل المشروع الانفصالي في ظل المستجدات الإقليمية والدولية.

تحولات إقليمية تربك البوليساريو
يتزامن هذا التآكل الداخلي مع التحولات في البيئة الإقليمية، التي لم تعد تسمح بتغذية الأوهام الانفصالية القديمة، بل تفرض واقعا جديدا تختبر فيه قدرة البوليساريو على إعادة إنتاج مشروعها السياسي في عالم تغيرت قواعده، فبينما تتسارع ديناميات الاعتراف الدولي بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي، تجد جماعة البوليساريو نفسها محاصرة بجمودها الداخلي، وعاجزة عن التأقلم مع السياقات الجديدة، فما تعيشه اليوم ليس تعثر مرحلي، بل لحظة مفصلية تهدد بفقدان السيطرة، وبتآكل بنيتها من داخلها، في ظل تراجع قدرتها على الإقناع والصمود أمام الزمن السياسي المتغير.

الجزائر تتحرك لإحتواء البوليساريو وسط تفكك داخلي
يسارع النظام العسكري الجزائري، في ظل تصاعد الاضطرابات داخل البوليساريو، بوصفه الراعي الأساسي على المستويين السياسي والأمني، إلى احتواء التدهور التنظيمي المتسارع الذي بات يهدد بانهيار داخلي يصعب التحكم فيه، وقد شكل استقبال عاجل خص به وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف القيادي في البوليساريو “محمد يسلم بيسط” مؤشرا واضحا على حجم قلق النظام العسكري من شرخ يمس بنية القيادة ويضعف تماسكها، في لحظة تتزايد فيها الضغوط على زعيم البوليساريو “إبراهيم غالي“، الذي يبدو عاجزا عن إدارة التوازنات الداخلية الآخذة في التآكل، يعكس هذا التحرك، الذي خرج عن طقوس المجاملة الدبلوماسية المعتادة، تحولا في المقاربة الجزائرية من الدعم غير المشروط للتدخل المباشر في محاولة لفرملة الانهيار، أو على الأقل تأجيله، يدرك النظام العسكري أن تفكك البوليساريو لن يسقط فقط ورقة ضغط جيوسياسية اعتمد عليها لعقود، بل سيكشف أيضا هشاشة الاستثمار السياسي والعسكري الطويل في مشروعه الانفصالي الذي يفقد تدريجيا مقومات بقائه، وبينما يتعمق التصدع داخل البوليساريو، تتزايد مؤشرات فقدان القيادة المركزية السيطرة، ما ينذر بتحول الصراع من نزاع إقليمي إلى أزمة داخلية مفتوحة داخل المخيمات نفسها.

أزمة بنيوية صراعات قيادية وتراجع التأييد الشعبي
تمر البوليساريو بواحدة من أكثر لحظاتها هشاشة منذ تأسيسها، حيث لم تعد الخلافات الداخلية تندرج ضمن النقاش السياسي الطبيعي، بل تحوّلت إلى أزمة بنيوية تهدد تماسك الكيان برمته، الاستقالات المتوالية لقيادات بارزة، منها أبي بشرايا البشير، ليست سوى رأس جبل الجليد في مشهد تتصارع فيه مراكز النفوذ حول التعيينات وتوجهات القرار، وسط محاولات متعثرة لإعادة تدوير الوجوه القديمة ضمن صفقات داخلية من أجل امتصاص الغضب وتفادي الانهيار، وتبدو هذه المساعي أقرب إلى تدخل إسعافي محدود التأثير، أمام حالة التآكل التي تمس شرعية القيادة، في ظل انكشاف عجزها عن إنتاج رؤية واضحة أو توحيد الصفوف حول مشروع سياسي جامع، والأخطر من ذلك لم تعد الأزمة محصورة في الطابق القيادي، بل تسللت إلى القواعد، حيث تتزايد مشاعر السخط واليأس داخل المخيمات، بإحساس متنام بأن المشروع الانفصالي فقد البوصلة والجدوى،و تبددت الولاءات التقليدية لصالح أصوات تطالب بإعادة النظر في المسار برمته، خاصة مع تزايد المؤيدين لخيار الحكم الذاتي المغربي، بوصفه مخرجا واقعيا من نفق طويل من المعاناة، وفي هذا السياق لا تبدو الانقسامات الحالية مجرد خلاف حول الأشخاص أو المواقع، بل تعبيرا عن أزمة هوية وشرعية، تهدد باصدع العقد الداخلي، وتكشف عن عمق الفجوة بين قيادة متمسكة بخطاب الماضي، وقواعد تبحث عن مستقبل مختلف.

النظام الجزائري يوسع أدوات السيطرة داخل تندوف
يجد النظام العسكري الجزائري نفسه اليوم أمام تصدع متسارع داخل البوليساريو، ما دفعه إلى الدخول في حالة استنفار سياسي وأمني شامل، يتخطى من خلاله التعامل التقليدي مع البوليساريو كأداة خارجية، إلى مرحلة “إدارة أزمة داخلية” بكل ما تحمله من رهانات، هذه اللقاءات المتوترة بين كبار مسؤولي الدولة الجزائرية وقيادات البوليساريو لم تعد مظاهر دعم، بل تحولت إلى واجهة لاحتواء الانهيار، عبر ضخ دعم مالي ولوجستيكي مباشر، وتقاسم ميزانيات وزارية، وتوفير وسائل تنقل متقدمة، في محاولة لتهدئة الوضع داخل المخيمات وطمس مؤشرات الانقسام أمام الرأي العام الداخلي والدولي، وبما في ذلك قوى بدأت تبدي تذمرا من كلفة هذا الالتزام السياسي طويل الأمد، وفي هذا السياق، باتت تتكثف تحركات الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية، ترصد بقلق بالغ تنامي نشاط “رابطة أنصار الحكم الذاتي”، حركة سلمية تنشط داخل المخيمات وتدعو إلى العودة للمغرب والانخراط في النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، هذا التحرك المدني، بات يحظى بدعم متزايد من شباب المخيمات، يُنظر إليه من داخل المنظومة الأمنية الجزائرية كاختراق خطير للبنية العقائدية التي تأسست عليها البوليساريو، وكمؤشر على انزلاق داخلي يهدد بتفكيك الخطاب الانفصالي من داخله، في لحظة حرجة تعيش فيها الجزائر مأزق الاختيار بين مواصلة الإنكار السياسي، أو مواجهة واقع جديد يتشكل على تخوم مخيمات تندوف.

خيار واقعي يرسخ التنمية ويُفكك البوليساريو
وفي ظل تصاعد التحديات الإقليمية وتغير المزاج الدولي بشأن نزاع الصحراء، يرسّخ المغرب موقعه بثبات عبر مشروع الحكم الذاتي، الذي بات يُنظر إليه كخيار سياسي واقعي وذي مصداقية، برؤية تنموية شاملة واضحة في التحولات التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، فقد تبنت المملكة نموذجا قائما على الاستثمار في البنية التحتية، وتحفيز الاقتصاد المحلي، وترسيخ المشاركة المجتمعية، ما حول المنطقة إلى فضاء ديناميكي يستقطب فرصا تنموية واعدة، ويعيد رسم معالم العلاقة بين الدولة والمواطن في الجنوب على أسس جديدة من الشراكة والاندماج، تولي المملكة المغربية في المقابل، عناية خاصة بالبعد الإنساني في تعاطيه مع ملف العائدين من المخيمات، من خلال مقاربة ترتكز على الاحتضان بدل الإقصاء، وتمنح العائدين إمكانية استئناف حياتهم داخل وطنهم في مناخ من الكرامة والانتماء، هذه الرؤية التصالحية لا تقتصر على الجانب الرمزي، بل تترجم فعليا عبر برامج إدماج اجتماعية، ودعم اقتصادي، وتكريس لثقافة المشاركة في التنمية المحلية، وهو ما يساهم في تفكيك الخطاب الانفصالي من الداخل، ويرسخ واقع المشروع المغربي كخيار جامع، مستند إلى الشرعية السياسية والدينامية الميدانية، ومحاط بتأييد دولي متصاعد.

انهيار البوليساريو وتصاعد واقع الحكم الذاتي
تعيش قضية الصحراء لحظة مفصلية تنذر بتحول عميق في موازين القوى، مع تآكل متزايد للرهانات الانفصالية التي ظلت لعقود تراهن على خطاب الجمود والتصعيد، ففي الوقت الذي يبذل فيه النظام العسكري جهودا مضنية لإنعاش البوليساريو وإطالة عمره السياسي، تكشف الديناميات الداخلية للمخيمات عن تغيرات ملموسة في المزاج العام، تميل لمقاربات أكثر براغماتية وارتباطا بالواقع، وبإحساس جماعي بأن المشروع الانفصالي لم يعد يتماشى مع منطق التحولات الإقليمية والدولية، ولا يلبي تطلعات الشباب الصحراوي في العيش الكريم والمشاركة الفعلية في التنمية، في المقابل، يواصل المغرب تعزيز موقعه من خلال مقاربة متكاملة تستند إلى الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي، وتنموي شامل، يحظى بقبول دولي متزايد. فبفضل استثمارات استراتيجية في البنى التحتية، وتوسيع دائرة الانخراط المجتمعي والاقتصادي في الأقاليم الجنوبية، بات النموذج المغربي يقدم نفسه بديلا عمليا ومقنعا، قادرا على جذب المترددين داخل المخيمات، واستقطاب دعم متنام من القوى الدولية، أمام هذا المشهد المتغير، تلوح في الأفق ملامح نهاية مرحلة تقليدية من النزاع، وبداية انزياح تدريجي لحل قائم على التوافق والتنمية والاستقرار.

شروط النشر:

يُرجى الالتزام بأسلوب محترم في التعليقات، والامتناع عن أي إساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات.
يُمنع تمامًا توجيه أي عبارات تمسّ الأديان أو الذات الإلهية، كما يُحظر التحريض العنصري أو استخدام الألفاظ النابية.

الأخبار 24 جريدة إلكترونية مغربية شاملة تتجدد على مدار الساعة ، تقدم أخبار دقيقة وموثوقة.
    نعتمد على إعداد محتوياتنا بالتحري الجاد والالتزام التام بأخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دولياً، مما يضمن جودة الخبر ومصداقيته.

قلق دولي من تداخل الأنشطة الإرهابية أفاد دبلوماسي أوروبي مقيم…
×
Verified by MonsterInsights