رسائل دبلوماسية حاسمة تربك حسابات
الأخبار 24: مليكة بوخاري
جاءت زيارة مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكلف بالشؤون الإفريقية، إلى الجزائر في 27 يوليوز من السنة الجارية، في سياق إقليمي حساس، يعكس تحولا نوعيا في الخطاب الدبلوماسي الأمريكي لقضية الصحراء المغربية، شكلت هذه الزيارة لحظة مفصلية عززت موقع المغرب إقليميا، وأكدت مبادرة الحكم الذاتي التي لم تعد خيار مطروح، بل مرجعية واقعية تحظى بإجماع أمريكي للإدارات، لم تكن رسائل مسعد بولس من قلب الجزائر رمزية، بل عبرت عن التزام استراتيجي لسيادة المغرب على صحرائه، وتبنٍ واضح لخيار سياسي يراعي الشرعية الدولية واستبعاد منطق الانفصال، في تجسيد عملي في موازين القوى لصالح الطرح المغربي.
واشنطن ترسخ مقترح الحكم الذاتي
لم يكن التحرك الأمريكي الأخير معزولا عن السياق الجيوسياسي الأوسع، بل شكل حلقة جديدة ضمن سلسلة مواقف متماسكة تعكس إعادة تموقع استراتيجي لواشنطن في شمال إفريقيا، أفصحت جولة مسعد بولس، وما تخللها من رسائل حازمة نشرت بمنبر جزائري مقرب من النظام الجزائري، لم تكتف بتجديد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربي، بل قدّمت برهانا عمليا على أن المقاربة الأمريكية لم تعد تقبل التأويل أو التراجع، فقد أكد بولس، بلغة لا تحتمل اللبس، أن هذا المقترح يمثل الإطار الوحيد القابل للتطبيق لتسوية النزاع المفتعل، مستندا في ذلك إلى إجماع مؤسساتي راسخ داخل دوائر القرار الأمريكي، الذي تجاوز تعاقب الإدارات، والإستناد إلى رؤية تعتبر المغرب شريكا موثوقا في قضايا الأمن والاستقرار، ما يعكس تحولا نوعيا في منهج التعاطي الأمريكي مع الملف، بعيدا عن منطق الحياد التقليدي الواضح لمقاربة واقعية تقصي أوهام الانفصال وترفع من منطق الحلول السياسية البناءة.
دعم أمريكي من قلب الجزائر
لم تكن الرسائل الأمريكية الأخيرة مجرد تصريحات دبلوماسية عابرة، بل حملت دلالات سياسية ثقيلة، تضاعف وقعها بفعل السياق والمكان من قلب الجزائر، ومن منبر إعلامي محسوب على النظام الجزائري، عبّر مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي ، بوضوح غير مألوف، عن دعم واشنطن الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربي، باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي والجاد لتسوية النزاع، هذه الخطوة، وصفها مراقبون بأنها شديدة الرمزية، لم تقتصر على مضمون الموقف، بل شملت أيضا الشكل، حيث لفت انتباه المتابعين صورة السفيرة الأمريكية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، تتصفح الجريدة التي نشر فيها الحوار، بابتسامة واثقة، اعتُبرت تجسيدا بصريا لرسالة واشنطن، واختزالا لموقفها الثابت، تحولت زيارة مسعد بولس، التي كانت الجزائر تراهن عليها لتليين الموقف الأمريكي، إلى محطة كشفت بجلاء عمق الفجوة بين التصورات السياسية للطرفين، التي عززت الاصطفاف الأمريكي خلف مقاربة المغرب، جاءت تصريحات المستشار الأمريكي حازمة، محملة بدلالات استراتيجية، لتضع حدا لأي محاولة لقراءة الزيارة خارج سياقها الحقيقي، مؤكدة أن واشنطن تعتمد اليوم رؤية متماسكة تقوم على دعم الاستقرار الإقليمي، ورفض كل مشاريع الانفصال، والانخراط في أفق تنموي مشترك يستمد وجهته من الطرح المغربي المتوازن، والمنسجم مع منطق الشرعية الدولية، ولم تعد واشنطن تكتفي بإعلان موقفها من بعيد، بل باتت تعبر عنه من داخل الساحة الجزائرية نفسها، في إشارة إلى تحول دقيق في ميزان التفاعل الإقليمي، الذي يضعف الأطروحات المتصلبة ويمنح الرباط نقاط قوة إضافية في معادلة الصراع والتوازن.
المغرب يرسخ الشراكة والجزائر تعيد إنتاج الماضي
لا تنفصل المواقف الأمريكية الأخيرة عن التوجهات الاستراتيجية الكبرى لواشنطن، التي ما فتئت تعتبر المغرب كفاعل محوري في معادلات الأمن الإقليمي، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء، يجسد هذا التموقع دعم متصاعد لمبادرة الحكم الذاتي، ورفض صريح لأي مشاريع تقسيمية من شأنها زعزعة الاستقرار في شمال إفريقيا، لا تزال الجزائر في المقابل أسيرة خطاب تقليدي يتكئ على رموز تاريخية استهلكت دلالاتها، في وقت تظهر فيه الرباط دينامية دبلوماسية متجددة تستجيب لتحولات السياق الإقليمي والدولي، بينما تستحضر الجزائر شعارات وتعيد إنتاج رواية وسرديات الماضي، يمضي المغرب في ترسيخ شراكات قائمة على التنمية المشتركة والتكامل الاقتصادي، وفق رؤية استراتيجية عبر عنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في أكثر من مناسبة، داعيا إلى بناء مغرب عربي متماسك يقوم على الاحترام المتبادل، وتجاوز منطق القطيعة والعداء.
واقع المغرب يعمق عزلة الخطاب الانفصالي
يكشف التباين الواضح في الرؤى والمقاربات بشأن قضية الصحراء عن تحول بنيوي في طبيعة التعاطي الإقليمي والدولي مع هذا الملف، ففي الوقت الذي تواصل فيه الجزائر التشبث بخطاب متصلب تجاوزه السياق، تبرز المبادرة المغربية للحكم الذاتي كطرح جدي وواقعي حصد دعما دوليا متناميا، وفي طليعته الموقف الأمريكي الثابت، الذي عبرت عنه بوضوح مؤسسات صنع القرار في واشنطن، سواءا على مستوى وزارتي الخارجية والدفاع أو عبر شخصيات وازنة داخل الكونغرس، وفي هذا الإطار، لم تكن زيارة مسعد بولس إلى الجزائر محطة دبلوماسية، بل لحظة سياسية حاسمة عمقت عزلة الأطروحة الانفصالية، وأعادت التأكيد على موقع المغرب المتقدم في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية، حملت زيارة رسائل صريحة حول أولوية الحلول الواقعية والممكنة، في مواجهة خطابات متخشبة تكرس الجمود وتعيد إنتاج زمن سياسي تجاوزته التحولات العميقة التي تعرفها المنطقة، وبات من الواضح أن الرهانات الكبرى اليوم تبنى على مقاربات منفتحة، توازن بين الشرعية الدولية ومتطلبات الاستقرار، في مقابل أطروحات لم يعد لها مكان إلا في أرشيف صراعات الماضي.














