مدرسة عمومية للغد خارطة طريق
القنيطرة: د حفيض عبدي
لم يعد الإصلاح التربوي رفاها مؤجلا أو خيارا قابلا للتأجيل، بل أضحى ضرورة وطنية مستعجلة يفرضها واقع التحولات المتسارعة التي يعرفها قطاع التربية والتكوين، تستلزم هذه الضرورة اعتماد مقاربة شاملة تقوم على الاستمرارية، وترتكز على أسس الحكامة الجيدة، والحزم، والعزيمة، والنجاعة العالية، بما يضمن انخراطا فعليا ومسؤولا لكافة مكونات وزارة التربية الوطنية، إلى جانب جميع المتدخلين المباشرين وغير المباشرين في هذا الورش الوطني، إنها لحظة حاسمة تفرض تجاوز الخطابات التقليدية نحو تنزيل عملي وواقعي لخارطة طريق تجسد الالتزام الجماعي بإرساء مدرسة عمومية جديدة تستجيب لطموحات المجتمع المغربي.
اعتراف بالجهود ورهان على المستقبل
ما تحقق من مكتسبات في مسار إصلاح المنظومة التربوية بالمغرب، وما بذل من جهود في أحلك الظروف، يفرض الاعتراف والتقدير لكل من ساهم، بصمت أو علنا، في الدفع بعجلة التغيير، فتحية اعتزاز لنساء ورجال التربية والتكوين، ولكل الفاعلين الذين حملوا مشروع الإصلاح على أكتافهم، وأثبتوا أن الرهان على التعليم ليس ترفا، بل هو استثمار في مستقبل الوطن، وأن المدرسة العمومية ليست مجرد مؤسسة للتلقين، بل رافعة للتنمية ومحور لمواجهة الجهل والتهميش والإقصاء، وتتجدد الآمال مع كل موسم دراسي جديد، حيث تكون سنة دراسية استثنائية، عنوانها جودة التعليم، واستقرار الزمن المدرسي، وتحقيق أثر ملموس على مستوى التحصيل، إذ يظل التلميذ في قلب الإصلاح، باعتباره عماد الغد، والمستهدف الأول من كل السياسات التربوية، ومن هنا، يبرز الاعتراف الصادق بجهود أسرة التربية والتعليم، التي تشتغل في صمت، بتفان ووطنية، رغم تعدد المهام وتنوع الأدوار، تقف في الصفوف الأمامية لبناء مغرب المعرفة والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن فصل هذه الدينامية عن خارطة الطريق 2022-2026، التي تشكل الإطار المرجعي لتحول حقيقي يرتكز على ثلاثة دعائم محورية: التلميذ، والأستاذ، والمؤسسة التعليمية، وقد انطلقت بالفعل أوراش كبرى في هذا الاتجاه، تستهدف إرساء مدرسة عمومية جديدة، دامجة، منصفة، وذات جودة مستدامة.
المؤسسات الرائدة رهان للتغيير
تواصل وزارة التربية الوطنية، في سياق تفعيل مضامين خارطة الطريق 2022-2026، العمل على توسيع نموذج مؤسسات الريادة على مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي، كأحد المحاور الاستراتيجية لإعادة بناء المدرسة العمومية على أسس الجودة والنجاعة، توازيا مع ذلك، يتم ترسيخ منظومة التكوين الأساسي والمستمر لفائدة الأطر التربوية، بما يضمن تأهيلا مستداما للكفاءات التدريسية وفق مستجدات المعرفة والتكنولوجيا، وتسير الوزارة بخطى ثابتة نحو التعميم التدريجي لتدريس اللغتين الأمازيغية والإنجليزية، باعتبارهما رافعتين أساسيتين لتكريس التعدد اللغوي، وتوسيع آفاق الانفتاح الثقافي والمعرفي لدى التلاميذ، كما يتم العمل على تطوير مسالك البكالوريا في شقها المهني والعلمي، بما يواكب متطلبات سوق الشغل ويرسخ مبدأ التوجيه المبكر والملاءمة بين التكوين والحاجيات الاقتصادية الوطنية.
رافعات الإنصاف المدرسي
تحظى برامج الدعم الاجتماعي بمكانة محورية ضمن ورش إصلاح المنظومة التربوية، إذ تسعى وزارة التربية الوطنية إلى توسيع قاعدة المستفيدين وتحسين جودة الخدمات المقدمة لفائدة التلميذات والتلاميذ، بما يكرس الإنصاف ويضمن تكافؤ الفرص بمختلف ربوع المملكة، وفي السياق نفسه، الاهتمام متزايد بالرياضة المدرسية باعتبارها أداة فعالة للتنمية الذاتية، ومجالا واعدا لاكتشاف المواهب وتأهيلها، بما يرسخ قيم التميز والانضباط ويساهم في بناء الشخصية المتوازنة للمتعلمين، وكما تراهن الوزارة على النهوض بالأنشطة الموازية وإدماج الرقمنة في الممارسة التربوية، لتجويد التعلمات وتحفيز الإبداع والابتكار داخل الفضاءات المدرسية، ويبرز مشروع المؤسسة المندمج كآلية استراتيجية لتكييف السياسات الوطنية مع الخصوصيات المجالية، وضمان انخراط فعلي لمختلف الفاعلين المحليين، في أفق تنزيل إصلاح تربوي واقعي، تشاركي ومستدام.
مدرسة عمومية برؤية تشاركية مستمرة
تجري كل هذه الديناميات في إطار حركية تنظيمية متواصلة، تجسدها اللقاءات الدورية التي تعقدها الوزارة مع المسؤولين الجهويين والإقليميين، من أجل تعميق النقاش، وتبادل التجارب، وتوحيد الرؤى، بما يكرس من فعالية تطبيق خارطة الطريق، ومقاربة تشاركية تتجاوز منطق المركزية والفوقية، يظل الرهان الأكبر بناء مدرسة عمومية جديدة، منصفة ودامجة، قادرة على الاستجابة لتطلعات المغاربة، ورافعة لإعداد أجيال مؤهلة لقيادة التنمية، وترسيخ مكانة المملكة المغربية كدولة مستقرة، متقدمة، ومنفتحة، فالتعليم ليس ورش قطاعي، بل مشروع مجتمعي بأكمله، يتطلب تعبئة وطنية جماعية، لا تعرف التردد، ولا ترضى بغير النجاح.














