المزمة معلمة أثرية تجسد التراث الثقافي
تعتبر المعلمة المزمة التاريخية، الواقعة بالجماعة القروية آيت يوسف وعلي، التي تبعد ب11 كيلومترا شرق مدينة الحسيمة، واحدة من المواقع الأثرية العريقة التي تعود جذورها إلى العصور القديمة، ويصعب توثيق تفاصيلها الدقيقة وخباياها التراثية والمعمارية، مما يجعلها محط اهتمام الباحثين والزوار.
الموقع الجغرافي
تمتد معلمة المزمة على مساحة تبلغ حوالي 9 هكتارات، وتقع مقابل جزيرة النكور، حيث تتمتع بموقع استراتيجي يطل على شاطئ الصفيحة الذي يواجه البحر الأبيض المتوسط، يشرف الموقع على سهل رسوبي يتشكل من مصب وادي غيس ووادي النكور، مما يوفر مناظر بانورامية خلابة وسط غابة من أشجار الأوكاليبتوس الباسقة، يجمع هذا الموقع بين جمال الطبيعة البرية وروعة البحر، مما يجعله وجهة مميزة.
تاريخ المعلمة
وفقا لإفادة المدير الإقليمي للثقافة بالحسيمة، فإن تاريخ تأسيس المزمة وتطورها العمراني يكتنفه بعض الغموض بسبب نقص المعطيات التاريخية والأبحاث الأركيولوجية، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن تأسيس المدينة يعود إلى القرنين التاسع أو العاشر الميلادي، حيث كانت جزءا من جزيرة النكور، والتي تعتبر واحدة من المنافذ البحرية الهامة لها.
الأهمية الحضارية والسياسية
اكتسبت مدينة المزمة أهمية كبيرة، خلال العهد الموحدي، وخاصة في فترة حكم الخليفة الناصر،حيث تم تحصينها وبناء أسوارها وتجهيزها بمرافق حيوية، استمر تطور المدينة حتى منتصف القرن السابع عشر، مما يعكس مكانتها في التاريخ المغربي.
مراجع تاريخية
وبحسب رفيق الغازي، الباحث في التاريخ والحضارة، وردت المدينة في المصادر الجغرافية والتاريخية بصيغ مختلفة، كانت تُعرف في البداية كمرسى بحري تابع للنكور، ثم كقرية، وأخيرا كمدينة عامرة، يشير الغازي إلى غياب النصوص التاريخية حول تأسيس المزمة، ولكنه يرجح أنها لعبت دورا اقتصاديا مهما خلال جزيرة النكور بسبب موقعها الجغرافي، وكان من المحتمل أن تكون مركزا للتجارة البحرية مع أندلسيا.
الحاجة للبحث الأثري
شدد الغازي على ضرورة إجراء بحوث آثار شاملة للمزمة، حيث يعتبر ما تم تحقيقه من تنقيبات غير كاف بالنظر إلى الأهمية الكبيرة للموقع، كما يبرز أهمية ساحل منطقة الريف في الحاجة إلى البحث الأثري للحفاظ على تراثه وحمايته من الاندثار والتشويه.
حظي الموقع الأثري للمزمة بترميم شامل، حيث تم تجديد الأسوار والأبواب والأبراج والحصن السعدي، تم إحداث سياج لحماية الموقع وبوابة رئيسية لتنظيم الدخول، بالإضافة إلى تهيئة الفضاءات الداخلية منها المساحات الخضراء وممرات الزوار، وربط الموقع بشبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب، تم وقد تم تنفيذ هذه الأعمال ضمن برنامج التنمية المجالية “الحسيمة منارة المتوسط”، مما يعكس الجهود المبذولة للحفاظ على هذا المعلمة التاريخية.
تظل مدينة المزمة رمزا للتراث الثقافي والتاريخي المغربي، وتحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة لتسليط الضوء على تاريخها الغني ودورها في الحياة الاقتصادية والسياسية عبر العصور.