تدهور العلاقات المغربية – الفرنسية
تشهد العلاقات المغربية – الفرنسية حالة من البرودة المتزايدة منذ فترة طويلة، نتيجة للخلافات العميقة والمتراكمة بين البلدين. ولم يقتصر هذا الخلاف على قضية خفض التأشيرات للمغاربة من قبل فرنسا، بل تُعقَّد الأمور بسبب عدم وضوح موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية، والتي يُنظر إليها في الرباط كالملف الحاسم في العلاقات بين البلدين، على الرغم من أن الرباط كانت أول وجهة يتوجه إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته بعد توليه الرئاسة في عام 2017، ووُصِفت هذه الزيارة بأنها “زيارة صداقة خاصة”، إلا أن العلاقات سرعان ما توترت وبدأت تتذبذب وتتراجع مقارنةً بالفترات التي شهدت نموًا خلال حكم الرئيسين المحافظين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، ظهرت التوترات بشكل علني بعد قرار السلطات الفرنسية في عام 2021 بتقليص عدد تأشيرات الدخول للمغاربة، بسبب رفض المملكة إستقبال المهاجرين غير المرغوب فيهم، وفقًا لباريس ، وقد تراجعت فرنسا عن هذا القرار في وقت لاحق، ولكن الأزمة ما زالت قائمة حتى اليوم،وفي فبراير 2023، تم نشر بلاغ في الجريدة الرسمية للمملكة المغربية بواسطة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يُعلن فيه عن إنهاء مهام محمد بنشعبون، سفير الملك محمد السادس لدى الجمهورية الفرنسية. ومنذ ذلك الحين، سادت حالة من الجمود في العلاقات الثنائية بين البلدين.
فرنسا تواجه تحديات سياسية
في 25 غشت الجاري، بعث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برقية تهنئة لملك المغرب محمد السادس، قال فيها إن الصداقة العميقة والراسخة بين بلدينا هي أفضل إرث لماضينا ، وأضاف “الإحتفال بعيد الشباب” يعد مناسبة قيمة للإشادة بالعمل الحاسم الذي يقوم به جلالة الملك محمد السادس لمواصلة تحديث المغرب ، رغم من أن رسالة ماكرون تحمل بعض التفاؤل، إلا أن سياسته الخارجية تتسم بالكبرياء . لم يتمكن النظام الفرنسي من التخلص من عقدة الاستعمار، مما أثار العديد من المشاكل ، أدى أيضا إلى تورط فرنسا في الأزمة الأوكرانية وتصاعد التوتر مع روسيا، . وبسبب ذلك، أصبحت فرنسا معزولة حتى في علاقتها مع الدول الأفريقية، حيث أكد مسؤولون مغاربة عدة مرات ضرورة التعاون بمبدأ “رابح – رابح”، ولكن لم تصل فرنسا إلى إستيعاب هذا المبدأ.
المغرب والصحراء
المغرب يواجه تحديات في السياسة الخارجية بسبب قضية الصحراء المغربية، حيث يظهر الموقف الفرنسي بشكل غير واضح ومتقلب، على الرغم من تأييد العديد من الدول للمقترح المغربي، تبدو سياسة ماكرون متشتتة وغير متجهة، حيث لعب دورًا في تصاعد الخلافات بين المغرب والجزائر بشأن الصحراء المغربية .
تغيرت سياسة المغرب الخارجية في السنوات الأخيرة، إستجابة لمواقف الدول تجاه قضية الصحراء. أكد الملك محمد السادس هذا الأمر في خطاباته المتكررة، ويؤيده البرلمان المغربي. وعلى الرغم من سحب المغرب لسفيره من فرنسا، إلا أنه لا يزال يحترم التعامل مع الشركات الفرنسية، التي تواجه تراجعا في فرصها للحصول على مشاريع في المغرب.
وضوح الموقف الفرنسي
ترسم السياسة الخارجية للمغرب لما أكد عليه الملك محمد السادس، وذلك من خلال نظرته إلى العلاقات مع الدول الأخرى بناءً على موقفها من مقترح الحكم الذاتي للصحراء المغربية ،في الوقت الحالي، وكشف فرنسا عن موقفها من مقترح الحكم الذاتي بشأن الصحراء المغربية، تتسم العلاقة بين فرنسا والدول المغاربية، من منظور ماكرون، بالجمود، وتتطلب تراجعًا وتصحيحًا في نهج فرنسا، بينما يرى المغرب علاقته مع الدول الأخرى من منظور الصحراء المغربية، المغرب أصبح وجهة للإستثمارات الأجنبية وبوابة لأفريقيا، التي أصبحت سلة غذاء العالم وبالتالي، يجب التعامل مع المغرب بناءً على سيادته الكاملة على أراضيه، على الرغم من أن الرسالة الأخيرة من ماكرون قد تفتح بابًا للمحادثات حول القضايا الخلافية، إلا أن المغرب يشترط وضوح الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، هذا الشرط قد يؤدي إلى إستمرار حالة الجمود الحالية، حيث لا ترغب فرنسا في الإعلان عن موقف ينتظره المغرب.