الجمعية الخيرية الإسلامية بالقنيطرة

مليكة بوخاري

احتفلت الجمعية الخيرية الإسلامية بالقنيطرة، بقاعة الأنشطة للمركب الاجتماعي المتعدد الاختصاصات، يوم 18 ماي الجاري بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لحظة جمعت بين استحضار الذاكرة الجماعية واستشراف المستقبل، حفل مفعم بالرمزية والدلالات، لاحتفال يجسد لمسار طويل من التغيير الاجتماعي.

افتتاح بصوت الأمل
استهل الحفل بأجواء روحانية مؤثرة، عبر تلاوة مباركة لآيات من الذكر الحكيم بصوت الطفل “يونس البياري“، أعقبتها لحظة إجلال للوطن عبر أداء النشيد الوطني، وانطلاق برنامج غني بالفقرات، عبر لوحات فنية تنوعت بين الأغنية الوطنية “عيشي يا بلادي عيشي”، وعروض تعبيرية وتراثية أعادت إحياء “الهيت”، نسجت خيوطه بين التأمل والاعتراف والاحتفاء بالتحول، تجسيد حي للربط بين الأصالة والمعاصرة، وبين التاريخ والهوية.

مداخلة الدكتور توفيق لحلو
استعرض الدكتور رئيس الجمعية توفيق لحلو، في كلمته بمناسبة تخليد الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تسلط الجمعية الخيرية الإسلامية بالقنيطرة الضوء على مسارها التنموي الزاخر بالعطاء والالتزام الاجتماعي، فمنذ بداياتها سنة 1932، في رعاية الأطفال اليتامى، إلى إحداث مركز لإيواء ورعاية المسنين، ثم تأسيس دار خاصة بالفتيات دعما لمسيرتهن التعليمية خارج المدينة قبل نحو عقدين، وصولا إلى إحداث روض للأطفال، رسخت الجمعية مكانتها كفاعل اجتماعي رائد، هذا التراكم النوعي ما كان ليتحقق لولا الشراكة المثمرة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي ساهمت بنسبة 50% في تشييد المرافق الاجتماعية وتأهيلها، ولا تزال رافدا أساسيا في دعم جهود الجمعية لضمان استمرارية الخدمات وتعزيز أثرها المجتمعي، هذا التحول العميق الذي عرفته المؤسسة تحت مظلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، متوقفا عند المحطات التي شكلت مفترق طرق في حياة الأطفال المستفيدين، وأكد أن التنمية البشرية لم تكن مجرد شعارات، بل سياسة اجتماعية أثبتت نجاعتها في تفكيك بنى الهشاشة وإعادة بناء الكرامة.

من ذاكرة المآسي إلى رواية للتوثيق
تمثلت المحطة الأبرز خلال الحفل في تقديم وتوقيع رواية “ولد الخيرية” للكاتب الأستاذ خليل خيي، الذي أعاد من خلال عمله الأدبي بناء تفاصيل حياة كاملة بين جدران مؤسسة الرعاية، بروح أقرب إلى البوح منها إلى السرد، شكلت الرواية لحظة مواجهة مع ماض مشحون بالحرمان، وبألم شعوري مشاهد الطفولة خلف الجدران: من قاعات النوم المسماة بأسماء الوديان والجبال، إلى أسرّة الكوابيس الحديدية، وأسوار الصمت العالية، لكن خيي، أبدى في سرده موازن، تحولات الزمان والمكان، مشيرا إلى انفتاح المؤسسة على محيطها، وتحولها إلى حضن دافئ يستقبل الأطفال بالعطف والحنان.

فقرات فنية تحمل رسالة الوطن
تخللت عروض الحفل استعراض أداء أطفال وفتيات المؤسسة، الذين أبدعوا من خلالها في التعبير عن الانتماء والفخر الوطني عبر لوحات فنية تنوعت بين الأغنية الوطنية، وعروض تعبيرية وتراثية أعادت إحياء “الهيت”، في تجسيد حي للربط بين الأصالة والمعاصرة، وبين التاريخ والهوية.

مغزى الحفل ما بعد الرعاية
ما بين الكلمات والأنغام، وبين الذاكرة والحاضر، بدا الحفل كأرضية رمزية لاختبار مدى نجاعة السياسات العمومية في مجال الطفولة، ومدى نضج المؤسسات المواكبة لها، لم تحتفل الجمعية الخيرية الإسلامية بالقنيطرة، بل بتحول عميق: من الألم إلى الأمل، إلى الإدماج، ومن الماضي إلى المستقبل.

الطفولة أساس البناء
يحمل هذا الحفل، في عمقه، رسالة بأن الاستثمار في الإنسان، خصوصا في لحظة هشاشته، قاعدة ذهبية لبناء مجتمع متماسك، وأن قصص الأطفال ليست فقط للتوثيق، بل أيضا لإلهام السياسات وصناعة التغيير الحقيقي.