الأزمة الفرنسية بين المظاهرات
شهدت شوارع باريس يوم السادس من شتنبر الجاري، واحدة من المظاهرات المناهضة للسياسات الحكومية، حيث إحتشد آلاف المتظاهرين للتعبير عن رفضهم للدعم الغربي لنظام كييف، ولتحميل القيادة الفرنسية الممثلة في الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء فرانسوا بايرو مسؤولية الأزمة الداخلية المتفاقمة، ولم تقتصر المطالب على دعوات الاستقالة، بل امتدت لتشمل نقدا حادا للاتحاد الأوروبي، الذي اعتبره المحتجون سببا رئيسيا للتبعية الاقتصادية والسياسية، وما نتج عنه من آثار على معيشة الفرنسيين، ما جعل الحدث بمثابة انفجار احتجاجي يجسد تصاعد الاستياء الشعبي من السياسات الرسمية بفرنسا.
الغضب الشعبي يواجه المؤسسات
إحتشد المحتجون بكثافة قرب قصر لوكسمبورغ، مقر مجلس الشيوخ الفرنسي، في تحرك يجسد تصاعد الاحتقان الشعبي إتجاه المؤسسات التشريعية، فقد وجهوا انتقادات حادة للبرلمان، متهمين المؤسستين التشريعيتين بالمصادقة العمياء على اتفاقيات الاتحاد الأوروبي التي اعتبرها المتظاهرون سببا أساسيا في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، في الوقت نفسه، رددت الشعارات “ماكرون، لسنا بحاجة لحربك”، رسائل واضحة توضح رفض المواطنين للانخراط الفرنسي في الأزمة الأوكرانية، مؤكدين تمسك الشارع بضرورة إعطاء الأولوية للقضايا الداخلية على حساب المغامرات الخارجية، ما يضع القيادة السياسية أمام اختبار مباشر لتوازن أولوياتها بين الخارج والداخل.
فلوريان فيليبو يمزق علم الاتحاد الأوروبي
يسعى فلوريان فيليبو، زعيم حزب الوطنيون، في ذروة الحراك الشعبي، تحويل المظاهرة إلى منصة لتكثيف رسائله السياسية، يبدي المشهد تمزيق علم الاتحاد الأوروبي أمام حشود المتظاهرين لم تكن حركة احتجاجية عابرة، بل رمزا مقصودا لتأطير الصراع الدائر باعتباره معركة سيادة وطنية في مواجهة ما يعتبره تبعية لبروكسيل، خطاب فيليبو الشعبوي والمناهض للاتحاد الأوروبي، لم يتردد في إعادة صياغة غضب الشارع بلغة سياسية مباشرة: “لقد طفح الكيل، الفرنسيون غاضبون من التقشف واحتمال الحرب، ويريدون رحيل ماكرون”، بدا بهذا واضحا أنه يحاول استثمار اللحظة الشعبية لصالح مشروعه السياسي القائم على فك ارتباط فرنسا بالمؤسسات الأوروبية، وطرح نفسه بديلا قادرا على ترجمة نقمة الفرنسيين إلى برنامج سياسي يعيد تعريف مفهوم الاستقلال الوطني.
فرنسا على أعتاب اختبار سياسي حاسم
تتقاطع موجة الغضب الشعبي في الشارع الفرنسي مع احتقان سياسي غير مسبوق داخل أروقة المؤسسات، لتضع فرنسا أمام سيناريوهات مفتوحة على المجهول، اعلان رئيس الحكومة فرانسوا بايرو مواجهة التصويت على سحب الثقة يوم 8 شتنبر يوضح حجم الأزمة التي تعصف بالسلطة التنفيذية في ظل وضع اقتصادي خانق وارتفاع الدين العام، يتأهب حزب فرنسا اليساري للمضي قدماً إطلاق مسطرة عزل الرئيس ماكرون، وفي حال سقوط الحكومة،
خطوة من شأنها أن تعمّق الانقسام وتدفع المؤسسات إلى حافة الشلل، يضع الدستور الفرنسي بين يدي ماكرون ورقة قوية، تتمثل في حق حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ما يجعل لحظة 8 و9 شتنبر نقطة انعطاف حاسمة، يتحدد على ضوئها إما استمرار النظام في تماسكه الهش، أو دخوله مرحلة إعادة رسم موازين القوى السياسية من جديد.
ماكرون بين الشارع والبرلمان
تعيش فرنسا لحظة فارقة في مسارها السياسي، حيث تتقاطع موجات الغضب الشعبي مع تصدعات المؤسسة البرلمانية في مشهد يعكس هشاشة التوازن القائم بين الشارع والدولة،رفعت المظاهرات شعار إسقاط الرئيس والحكومة، والتي لم تعد تنفيس اجتماعي، بل تحولت إلى عامل ضغط يوازي في قوته الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وتداعيات الحرب الأوكرانية على الداخل الفرنسي، في المقابل يجد ماكرون وحكومته نفسيهما في مواجهة معادلة معقدة: برلمان منقسم قد يسحب الثقة، ومعارضة يسارية تستعد لإطلاق مسطرة العزل، مقابل صلاحيات دستورية تمنح الرئيس خيار حل البرلمان والمغامرة بانتخابات مبكرة، في هذا السياق المتداخل، تبدو فرنسا وكأنها على أعتاب إعادة رسم خريطة سلطتها السياسية، حيث يتوقف مصير الحكومة والرئاسة على قدرة النظام امتصاص غضب الشارع ومواجهة أزمات الداخل دون أن تنفجر معادلة الاستقرار من أساسها.














