الرئيس الموريتاني يستقبل الطالبي

لحظة سياسية لا تخلو من الدلالة، حط رئيس مجلس النواب المغربي، رشيد الطالبي العلمي، رحاله بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، اليوم الجمعة، حيث استقبل من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في لقاء يمكن اعتباره أكثر من زيارة بروتوكولية وأقل من قمة سياسية، لكنه يحمل في مضمونه رسائل متعددة الأبعاد.

زيارة برلمانية برؤية استراتيجية
تزامنت الزيارة، مع انطلاق الدورة الأولى من المنتدى البرلماني الاقتصادي المغربي الموريتاني، تندرج ضمن توجه دبلوماسي مغربي نحو تعزيز الشراكة مع موريتانيا، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل عبر بوابة المؤسستين التشريعيتين، وبحسب ما صرح به العلمي عقب اللقاء، فإن الاستقبال الرئاسي تضمن نقل تحيات جلالة الملك محمد السادس، وفتح نقاش حول عدد من القضايا الهامة التي تجمع البلدين، بحضور رسمي عالي المستوى ضم رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، ووزير ديوان الرئاسة، والسفير المغربي بنواكشوط.

الخلفية والسياق من التباعد إلى التقارب
مرت العلاقات المغربية الموريتانية بفترات مد وجزر، متأثرة بعوامل إقليمية معقدة تتعلق بالصحراء المغربية، والمواقف المتباينة تجاه بعض الملفات المغاربية، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولا تدريجيا في الخطاب والممارسة، إذ بدا واضحا أن كلا البلدين يعتمدان مقاربة واقعية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والبرلماني، بعيدا عن الحساسيات السياسية التي كانت تعكر صفو العلاقات الثنائية.

برلمان يقود الدبلوماسية
خلال احتضان نواكشوط المنتدى البرلماني الاقتصادي هذه الأيام، تعد زيارة العلمي أول آلية من نوعها تركز على التعاون بين ممثلي الشعب في كلا البلدين، ويعكس توجها جديدا نحو تأسيس دبلوماسية برلمانية موازية للعمل الحكومي الرسمي، وفي هذا الإطار إكتسبت زيارة الطالبي العلمي بعدها الرمزي، باعتبارها خطوة في اتجاه بناء جسر سياسي واقتصادي بين المؤسستين التشريعيتين.

أبعاد الزيارة دبلوماسية بأهداف استراتيجية
تحمل زيارة العلمي في طياتها ثلاثة رسائل رئيسية:
1- رسالة سياسية تؤكد على مركزية موريتانيا في التوجه المغاربي الجديد للمغرب، وحرص الرباط على تنويع قنوات التواصل وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
2- رسالة اقتصادية تكمن في ربط التعاون البرلماني بتطورات السوق المشتركة والاستثمار، خاصة في ظل تقاطع مصالح البلدين في قطاعات حيوية مثل الصيد البحري، الطاقة، والتجارة البرية عبر المحور الجنوبي.
3- رسالة مؤسساتية ترمي إلى تفعيل دور البرلمانات في السياسة الخارجية، كأداة رقابة وتنسيق يمكنها أن تمنح العمق الشعبي لأي اتفاقيات أو تفاهمات مستقبلية.

الآفاق ما بعد المنتدى
يواجه التعاون المغربي الموريتاني زخم إيجابي وتحديات موضوعية، من بينها اختلاف الأولويات الوطنية، والمنافسة الجيوسياسية بالمنطقة، إلى جانب تأثيرات الأزمة الإقليمية في منطقة الساحل، وتوفر العلاقات التاريخية، من جهة التقارب الثقافي، والرهان المشترك على الأمن والتنمية، أرضية قوية لبناء شراكة استراتيجية حقيقية، وتفعيل الدبلوماسية البرلمانية قد تشكل رافعة لتعميق هذا التعاون بعيدا عن الحسابات الظرفية.

شراكة منفتحة ومتعددة
تندرج الزيارة التي قام بها رشيد الطالبي العلمي لنواكشوط، ضمن مسار تكاملي، وتحويل العلاقات المغربية الموريتانية إلى نموذج إقليمي في التعاون البرلماني والاقتصادي، وإذا ما تم استثمار هذه اللحظة السياسية بإرادة صادقة، فإن البلدين يمكنهما الانتقال من مرحلة التنسيق الظرفي إلى بناء شراكة منفتحة ومستدامة متعددة المستويات.