تخليد الذكرى 20 للمبادرة الوطنية
حكيمة القرقوري
احتضنت قاعة الإجتماعات بعمالة إقليم القنيطرة يوم الإثنين 19 ماي الجاري، تخليد الذكرى العشرين لإعطاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، إنطلاقتها تحت شعار 20 سنة في خدمة التنمية البشرية.
كلمة عامل إقليم القنيطرة
استعرض عبد الحميد المزيد، عامل إقليم القنيطرة، في إطار الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أهمية هذا الورش الملكي الوطني الذي أطلقه الملك محمد السادس في 18 مايو 2005، مؤكدا أن المبادرة لم تكن مجرد مشروع مرحلي، بل رافعة دائمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأوضح المزيد، في كلمة وجهها إلى والي الجهة المنسق الوطني للمبادرة والمنتخبين ورؤساء المصالح الأمنية، ممثلي السلطات،أعضاء اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، اللجنة الإقليمية الاقتصادية رؤساء المصالخ اللاممركزة، وأطر المجتمع المدني ووسائل الإعلام، أن هذه التجربة ارتكزت منذ انطلاقتها على مبادئ المشاركة الواسعة والتشاور، انطلاقا من توجيه سام لوضع الإنسان في صلب الاهتمام الحكومي.
حدد عامل الإقليم مسيرة المبادرة إلى ثلاثة مراحل: مرحلة التأسيس “2005–2010″، التي استهدفت محاربة الفقر في العالم القروي، تلتها مرحلة تعميق المكتسبات “2011–2013″، التي ركزت على ترسيخ الحكامة المحلية وآليات التتبع والتقييم، ثم المرحلة الثالثة، التي أرست جيلا جديدا من البرامج المرتكزة على رأس المال البشري، بمظلة أربعة محاور استراتيجية تشمل صيانة الكرامة وتحسين ظروف المعيشة، ودعم الأشخاص في وضعيات هشاشة، وتعزيز الدخل والاندماج الاقتصادي للشباب، والدفع بالتنمية الإنسانية للأجيال الصاعدة.
وبحسب المعطيات التي قدمها السيد المزيد، فقد مولت المبادرة أكثر من 2300 مشروع بإقليم القنيطرة، بكلفة إجمالية تجاوزت 1.3 مليار درهم، ساهمت المبادرة الوطنية بما يقرب من 1.19 مليار درهم، وأكد أن هذه الإنجازات لم تقتصر على الأرقام، بل جسدت “قصة إنسانية” عبر تحسين البنى التحتية الاجتماعية وتعزيز جودة الخدمات واستدامة المشاريع.
مداخلة رئيسة قسم العمل الإجتماعي
قدمت ابتسام العيادي، رئيسة قسم العمل الاجتماعي بعمالة إقليم القنيطرة، عرضا شاملا حول حصيلة الكمية والنوعية لمشاريع المبادرة داخل الإقليم، مبرزة حجم التدخلات وأثرها الاجتماعي والاقتصادي على الفئات المستهدفة.
من الإنقاذ الاجتماعي إلى الاستثمار في الإنسان
استعرضت العيادي الإنجازات خلال مرحلتين أساسيتين: الأولى من 2005 إلى 2010، والثانية من 2011 إلى 2018، حيث ركزت المبادرة على محاربة الفقر بالعالم القروي، الإقصاء الحضري، والهشاشة الاجتماعية، استفاد الإقليم من 1168 مشروعا بكلفة إجمالية قاربت 884 مليون درهم، ساهمت فيها المبادرة بأكثر من 770 مليون درهم، لكن اللافت في هذه المرحلة لم يكن فقط حجم الاستثمارات، بل تنوعها وتموقعها الاستراتيجي: من البنية التحتية الصحية والتعليمية، إلى دعم النقل المدرسي، وتهيئة فضاءات ثقافية ورياضية، وبناء مراكز خاصة بالنساء والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، يعكس توزيع المشاريع فهما عميقا لحاجيات الساكنة المحلية، حيث نُفذت مشاريع لتهيئة الطرق والمسالك، توصيل الماء والكهرباء، اقتناء سيارات إسعاف، وإحداث دور الأمومة والطالب والطالبة، ما يعكس انتقالا من منطق الإعانة الظرفية إلى تمكين اجتماعي مؤسس.
مرحلة ثالثة رأس المال البشري في قلب الرؤية
انطلق التحول الجذري مع المرحلة الثالثة “2019–2024″، التي وصفتها العيادي “بالتجديد الإرادي للمبادرة”، حيث أصبح الاستثمار في الإنسان، منذ الطفولة، جوهر التوجه الجديد، هذه المرحلة، المستندة إلى توجيهات ملكية وردت في خطاب العرش لسنة 2018، رسمت هدفين استراتيجيين: تحصين المكتسبات، وبناء المستقبل.
أربعة برامج محورية أعادت توجيه البوصلة التنموية
1. تدارك الخصاص في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
2. مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة.
3. تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي، خصوصًا لفئة الشباب.
4. الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة عبر دعم التعليم الأولي ومهارات الحياة
منطق جديد التنمية ليست رقما بل أثر
قدمت العيادي، من خلال أرقام دقيقة، صورة واضحة حول الفلسفة الجديدة للمبادرة، لكنها حرصت، في عمق العرض، على التأكيد أن القيمة المضافة للمبادرة لا تُقاس فقط بعدد المشاريع أو بحجم الميزانيات، بل بالأثر الإنساني المباشر: حصل مواطنون على فرص تعليم، شباب وجدوا سبيلا للاندماج، أسر خرجت من دائرة الهشاشة.
نقطة تحول في الحكامة والتنمية الترابية
بيّنت العيادي، أن المرحلة الحالية، تتطلب تكاملا مؤسساتيا أقوى، وتبنّي منهجية ترابية دقيقة في التخطيط والتمويل والتتبع، بحيث تندمج المشاريع داخل رؤية تنموية شاملة ومندمجة، كما صارت المبادرة اليوم، لست مجرد ورش اجتماعي، بل آلية ذكية لإعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الكرامة والفرص والعدالة المجالية.
مداخلة الوالي المنسق الوطني
أكد السيد الوالي، المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في كلمة ألقاها بمناسبة تخليد الذكرى العشرين لانطلاق هذا الورش الملكي، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تمثل تحولا عميقا في مسار بناء مجتمع متماسك، متضامن، وعادل، وخلال الحفل الذي احتضنه إقليم القنيطرة، بحضور السيد عامل الإقليم، رئيس اللجنة الإقليمية للمبادرة، والمنتخبين، وممثلي السلطات الأمنية، وفعاليات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، نوه السيد الوالي بالمجهودات المتواصلة التي تبذلها اللجنة الإقليمية لتنزيل مشاريع وبرامج المبادرة، مشيدا بحرصها على خدمة ساكنة الإقليم وتحسين ظروف عيشها في إطار من التناسق المؤسساتي والتعبئة المجتمعية، وأشار إلى أن هذه المبادرة الملكية شكلت، منذ إطلاقها، رافعة حقيقية لمحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، ضمن رؤية متبصرة لجلالة الملك لإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وأوضح المسؤول أن المرحلة الأولى من المبادرة “2005-2010” ركزت على تقليص العجز في البنيات التحتية الأساسية، وفك العزلة عن المناطق القروية والمهمشة،
فيما شهدت المرحلة الثانية “2011-2018” توسيع دائرة المستفيدين ومجالات التدخل، لتعزيز العدالة الاجتماعية، منذ انطلاق المرحلة الثالثة سنة 2019، وفق التوجيهات الملكية السامية لتكرّس المكتسبات السابقة، وإعادة توجيه المبادرة نحو تنمية الرأسمال البشري، من خلال دعم التعليم الأولي، وتطوير صحة الأم والطفل، وتقوية آليات الإدماج الاقتصادي للشباب والنساء، وتثمين الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، واختتم الوالي كلمته بالتأكيد على أن تحقيق هذه الأهداف لم يتأتى لولا التنسيق المحكم بين مختلف الفاعلين، ضمن نموذج حكامة ترابية يعزز الديمقراطية التشاركية، ويضع المواطن في صلب العملية التنموية.
القنيطرة نموذج تنموي يراهن على الإنسان بقلب الإصلاح
وقد شكل ما أحدث في إقليم القنيطرة نموذجا مصغرا لم تصنعه الإرادة السياسية حين تقترن بحكامة محلية فعالة، ومقاربة ميدانية تراهن على الإنسان كقلب لكل إصلاح.














