تكميم الكلمة أرواح تزهق مأساة الجزائر على الطرق والإعلام

Nov 18, 2025 /

تكميم الكلمة أرواح تزهق مأساة الجزائر

الأخبار 24 : مليكة بوخاري

شهدت الجزائر نهاية الأسبوع الماضي مشهد يمزج بين المأساة الإنسانية والتوتر السياسي، بعد حادث أليم تزامن مع سلسلة من القرارات المثيرة للجدل في الساحة الإعلامية، فقد أعلنت السلطات تعليق بث ثلاثة قنوات محلية بارزة، منها: الشروق، الحياة والبلاد، مبررة القرار بمخالفات مهنية وتشويه لصورة الدولة، جاء هذا الإجراء مباشرة بعد فاجعة سقوط حافلة من أعلى جسر في وادي الحراش بالعاصمة، والتي أودت بحياة أشخاص وإصابت آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، لتتزامن الكارثة الإنسانية مع أزمة إعلامية تشعل الجدل حول حرية التعبير ومسؤولية الدولة في التعامل مع الأحداث الطارئة.

النظام يخفي الحقيقة ويقيد الإعلام
لم يكن توقيت قرار تعليق القنوات الثلاثة عرضيا، إذ كانت هذه الوسائل في طليعة الإعلام الذي كشف حجم الكارثة بتغطية مكثفة، شملت شهادات ومقاطع فيديو صادمة وثقها المواطنون، وأبدت مواطنين يغامرون بحياتهم لإنقاذ الضحايا قبل وصول فرق الحماية المدنية، مثلت هذه التغطية واجبا مهنيا وإنسانيا، حيث اعتبرت السلطات أن الإعلام تجاوز الضوابط وحدود الممارسة الصحفية، لتبرير فرض قيود جديدة، ولم تكتف الحكومة بالتوقيف المؤقت، بل لوحت بعقوبات أشد قد تصل إلى إغلاق برامج بشكل نهائي أو فرض غرامات مالية قاسية، في رسالة واضحة بأن أي محاولة لكشف الحقيقة أو مساءلة المسؤولين ستقابل بالردع. أما التهم الموجهة لوسائل الإعلام التضليل ونشر أخبار مغلوطة، تكرار لصياغة السلطة المعتادة من أجل تقييد حرية الصحافة والسيطرة على السرد الرسمي، ما يوضح أن الكلمة الحرة في الجزائر لا تزال محاصرة، وأن الحق في المعلومة أصبح أسير ورهين سياسة التعتيم الرسمية.

السيطرة على الرواية أم مواجهة الواقع؟
يؤكد مراقبون أن ما حدث في الساحة الإعلامية الجزائرية يتجاوز الخلاف حول المعايير المهنية، ليصبح مؤشرا جديدا على سياسة ممنهجة لتكميم حرية التعبير، فبدلا من مواجهة القضايا الجوهرية التي أفرزتها الكارثة الأخيرة من هشاشة البنية التحتية إلى تقاعس الجهات الرسمية وتكرار حوادث النقل المميتة، اختارت السلطة مهاجمة المنصات الإعلامية المستقلة، في محاولة واضحة للسيطرة على الرواية الرسمية وإسكات الأصوات المنتقدة، لذا يجد الإعلاميون أنفسهم في بيئة مكبلة، حيث تمارس الصحافة وسط ضغوط قانونية وسياسية تكاد تحول كل نقل للحقائق إلى مخاطرة كبيرة، ويتراجع استمرار هذه الممارسات، تدريجيا هامش الحرية، وتتسع الهوة بين خطاب الدولة المزيف وواقع المواطن، في معركة يبدو أن الضحية الأولى الحق في المعلومة، بينما تظل السلطة بعيدة عن أي مساءلة حقيقية.

بين الخطاب الرسمي وواقع البنية التحتية
سلط الحادث المأساوي في وادي الحراش الضوء مجددا على فتح ملف السلامة الطرقية بالجزائر، ملف ثقيل يرتبط بشكل مباشر بضعف البنية التحتية وتراكم الإخفاقات في قطاع النقل العمومي، فقد أدى سقوط الحافلة إلى مصرع 18 شخصا وإصابة عشرة آخرين، في حصيلة تكشف مجددا أن المآسي المرورية لم تعد مجرد حوادث عرضية، بل ظاهرة متكررة تعكس هشاشة المنظومة بأكملها، سارعت النظام الجزائري إلى الإعلان عن فتح تحقيق ومباشرة عمليات الإنقاذ المعقدة، إلا أن الصور القادمة من موقع الكارثة، تظهر مواطنين يغامرون بحياتهم لإنقاذ الضحايا قبل وصول فرق الحماية المدنية هذه الفاجعة تسلط الضوء على معضلة أعمق: غياب التدابير الوقائية، واهتراء البنية التحتية، وضعف الرقابة على وسائل النقل، كل هذه العناصر تجعل طرق الجزائر بحسب خبراء، واحدة من أكثر المسارات خطورة في المنطقة، وكما تتجدد الأسئلة حول جدوى البرامج الحكومية التي يعلنها النظام بعد كل مأساة مماثلة، دون أن يلمس المواطن تغيير ملموس على الأرض، ما تنطوي عليه الطريق من حفر وإهمال وصيانة متأخرة، يظل شاهدا على فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي بالإصلاح، والواقع اليومي الذي يصر على كشف هشاشة السياسات العمومية، ليست فاجعة وادي الحراش حادثا معزولا بقدر ما هي جزء من سلسلة حوادث تضع الدولة أمام اختبار حقيقي: هل تعترف بجذور الأزمة وتشرع في إصلاحات جذرية، أم تكتفي بتكرار نفس الإجراءات التقليدية التي لا توقف نزيف الأرواح على الطرقات؟.

الاعلام بين مطرقة السلطة وحق المجتمع
أعاد قرار السلطات الجزائرية تعليق بث ثلاثة قنوات تلفزيونية النقاش القديم المتجدد حول مستقبل الصحافة في الجزائر، بين خطاب رسمي يرفع شعار “ضبط الإعلام” وواقع مهني مثقل بالقيود والرقابة، تبدو حرية الكلمة كأنها معلقة بخيط هش، مهددة بالقطع في أي لحظة. لم تهدأ المعركة بين السلطة ووسائل الإعلام منذ عقود، وما زالت بلا أفق للحسم، تاركة الساحة مفتوحة أمام صراع محتدم بين حق المجتمع في المعلومة ورغبة الدولة في فرض روايتها الوحيدة، تكشف هذه التطورات عن مفارقة لافتة: دولة تؤكد في نصوصها الدستورية على حماية حرية التعبير، لكنها في الممارسة العملية تفرض وصاية صارمة على الصحافة معتبرة الكلمة الحرة تهديدا لأمنها لا أداة لترسيخ ديمقراطيتها، بدل أن يلجأ النظام الى محاسبة المؤسسات الرسمية على الكوارث المتكررة التي تثقل يوميات الجزائريين، تتجه إلى معاقبة الإعلاميين الذين يجرؤون على كشف الحقيقة أو مساءلة المسؤولين، لا يضعف هذا النهج دور الصحافة كسلطة رابعة، بل يكرس احتكار النظام الجزائري للرواية ويعمق أزمة الثقة بينها وبين المجتمع، ويبدو أن أولى ضحاياها هو الحق في المعلومة، وأكبر الخاسرين منها هو المواطن الباحث عن حقيقة الواقع اليومي.

شروط النشر:

يُرجى الالتزام بأسلوب محترم في التعليقات، والامتناع عن أي إساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات.
يُمنع تمامًا توجيه أي عبارات تمسّ الأديان أو الذات الإلهية، كما يُحظر التحريض العنصري أو استخدام الألفاظ النابية.

الأخبار 24 جريدة إلكترونية مغربية شاملة تتجدد على مدار الساعة ، تقدم أخبار دقيقة وموثوقة.
    نعتمد على إعداد محتوياتنا بالتحري الجاد والالتزام التام بأخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دولياً، مما يضمن جودة الخبر ومصداقيته.

قلق دولي من تداخل الأنشطة الإرهابية أفاد دبلوماسي أوروبي مقيم…
×
Verified by MonsterInsights