مليكة بوخاري
استمرار التوتر بين الجزائر والمغرب هل هي عقيدة تاريخية أم ضرورة سياسية؟
منذ ما يسمى استقلال، الجزائر وهي تستمر في انتهاج سياسة عدوانية تجاه المغرب، مما يعكس واقعا مظلما من التوتر والانقسام المستمر بين البلدين، يبدو أن هذا الصراع أصبح جزءا من الاستراتيجية السياسية الجزائرية، حيث ترفض الجزائر أي محاولات لتحقيق التسوية أو التطبيع مع المغرب، مصرة على إبقاء الأجواء مشحونة بالتوتر،حيث تقوم السياسة الجزائرية على فكرة إعاقة تقدم المغرب، وتعتبره “عدوا تاريخيًا” ولا تفوت فرصة لتذكيره بذلك، خلال سنوات النزاع حول الصحراء المغربية، لم تتوقف الجزائر عن تعزيز هذا العداء وجذب حلفائها لمساندتها في هذا التوجه العدائي، رافضة أي مبادرات للحوار أو الشراكة البناءة مع المغرب، لأن الجزائر لا تعير اهتماما كبيرا لحل النزاع الإقليمي بقدر ما تركز على استمراره، حيث يمثل هذا التوتر جزءا أساسيا من بنيانها السياسي والأمني، يتجلى هذا في دعمها المستمر لجماعة البوليساريو، من خلال تقديم التمويل والتسليح، مما يوحي بأن هذا النزاع يخدم مصالحها الداخلية والخارجية بشكل كبير، هذا ما تأسست عليه الجزائر “عدو تاريخي”.
يتساءل المراقبون عن السر وراء استبسال الجزائر في الدفاع عن “الجماعة الوهمية” بكل الوسائل الممكنة، هل يمكن للجزائر أن تلعب دورا دبلوماسيا مختلفا دون الاحتفاظ بهذه العداوة؟ وهل يمكن للجيش الجزائري أن يقنع الشعب الجزائري بأهمية وجوده دون تحويل المغرب إلى عدو دائم؟
إن النظام العسكري الجزائري يدرك جيدا أن وجوده تحت ضغط “العدو الخارجي” يضمن استمراره، حيث أن غياب هذا العدو سيجعله يواجه أزمات داخلية ووضعا سياسيا هشا، لذلك، تحتاج الجزائر إلى المملكة كعدو بنفس حاجتها إلى الهواء والغذاء، وتستمر في إعادة إنتاج العداء بكل الوعي.
بالتالي، لا ينبغي أن نتعامل مع السياسة الجزائرية تجاه المغرب بمنطق سيكولوجي يعتمد على الشعور بالنقص أو الانتقام، فعداء الجزائر للمغرب ليس رد فعل، بل هو نقطة ارتكاز حيوية في السياسة الجزائرية التي تحولت إلى عقيدة يصعب التخلي عنها في المدى القريب والمتوسط، هذه العقيدة بُنيت منذ عهد “هواري بومدين” إلى الآن، على التحرش المستمر بالمغرب،ونتيجة لذلك، لم يكن أمام المغرب سوى التصدي لهذا الجوار غير السوي، بدلا من الوقوف المفرط في الحكمة المتعذرة. كان المغرب يرد الصاع صاعين للعسكر الجزائري وحلفائهم في كل المنتديات الدولية، كاللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتدخل بكل احترافية لإبطال مؤامراتهم ونسف أطروحاتهم التي تصب في مصلحة المرتزقة، قد اصبح يتضح للعالم أن التوتر بين الجزائر والمغرب ليس مجرد نزاع إقليمي بسيط، بل هو جزء من بنيان سياسي وأمني معقد، يصعب التخلص منه بسهولة.
المغرب يدافع عن مصالحه الحيوية في مواجهة التحديات
على مدى السنوات الأربع الأخيرة، أبدى المغرب، من خلال ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمر هلال، شراسة كبيرة في الدفاع عن المصالح الحيوية للمملكة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. هذه الشراسة تجسدت في عدة مواقف وتحركات دبلوماسية، نوضحها فيما يلي:
مغربية الصحراء: تأكيد لا لبس فيه
أكد المغرب على مغربية الصحراء بشكل لا يقبل الجدل، موضحا أن هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من تاريخه وثقافته وسيادته، كما شدد جلالة الملك محمد السادس نصره في مناسبات عديدة على أن الصحراء مغربية وستظل مغربية إلى الأبد.
الحكم الذاتي: الحل الوحيد
اعتبر المغرب مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لنزاع الصحراء المغربية، مؤكدا أنه لا يمكن التوصل إلى أي حل خارج سيادة المغرب على كامل ووحدة أراضيه.
فضح التدخلات الجزائرية
كشف المغرب مرارا عن التدخلات الجزائرية في شؤونه الداخلية، محذرا من محاولات الجزائر عرقلة أي مخطط لتنزيل العملية السياسية الأممية.
دعم جماعة البوليساريو
أبرز المغرب العلاقة الوثيقة بين الجزائر وجماعة البوليساريو الارهابية، مشيرا إلى أن الجزائر توفر لها الدعم المادي والعسكري، كما أكد المغرب على تصديه للإرهاب ووقوفه إلى جانب الأمم المتحدة والدول المناهضة للإرهاب.
المحتجزون في تندوف
أوضح المغرب أن الجزائر لا تستضيف لاجئين بل تحتجز سكاناً ينحدرون من المغرب ودول مجاورة تحت تهديد الإعدام، مشيرا إلى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في مخيمات تندوف.
تجنيد الأطفال
ندد المغرب بتجنيد الأطفال في مخيمات تندوف وإجبارهم على الانضمام إلى ميليشيات البوليساريو، معتبرا أن هذه الممارسات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
سرقة المساعدات الإنسانية
اتهم المغرب الجزائر بالتلاعب بالمساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تندوف، مشيرا إلى أن هذه المساعدات تُسرق ولا تصل إلى المحتجزين.
ازدواجية الموقف الجزائري
فضح المغرب ازدواجية موقفالنظام الجزائري الذي يدعم “حق تقرير المصير” في قضية الصحراء ويتجاهل نفس الحق لشعب القبايل الذي يطالب بالاستقلال منذ سنة1962.
رفض الجزائر للحوارات الدولية
أدان المغرب رفض الجزائر العودة إلى اجتماعات الموائد المستديرة، معتبرا ذلك انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي.
نهاية حقبة تصفية الاستعمار
أوضح المغرب أن قضية الصحراء لم تعد تتطلب نقاشا في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، مؤكدا أن المغرب استرجع أراضيه وقدم مقترح الحكم الذاتي كأقصى تسوية ممكنة.
التزام المغرب بالقضايا الإفريقية والفلسطينية
أكد المغرب من خلال سفيره في الأمم المتحدة أن المملكة ملتزمة بقضايا إفريقيا والقضية الفلسطينية بشكل عملي وواقعي، بعيدا عن المزايدات والشعارات،وأن المغرب يبدي تأكيده على هذه النقاط ومدى التزامه بالدفاع عن مصالحه الحيوية وسيادته الوطنية، مستخدما كافة الوسائل الدبلوماسية المتاحة لمواجهة التحديات التي تعترض طريقه.
المغرب والدفاع عن مصالحه الحيوية: مواجهة مستمرة مع الجزائر
على مدى السنوات الماضية، أظهر المغرب شجاعة وإصرارا في الدفاع عن مصالحه الحيوية، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. هذه القضية تظل محورا أساسيا في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، حيث يسعى المغرب إلى تعزيز الإعتراف الدولي بسيادته على الصحراء، معتمدا على الدبلوماسية النشطة والفاعلة.
التحديات الجزائرية
يدرك المغرب أن النظام العسكري الجزائري، الذي يسيطر على المشهد السياسي بالجزائر، لا يزال يستخدم قضية الصحراء المغربية كورقة ضغط ومصدر توتر مستمر، لعدة أسباب :
1- الاعتماد على الحرب كوسيلة للبقاء: الكابرانات الجزائريون يرون في الحرب وسيلة للحفاظ على نفوذهم وسلطتهم. حتى لو تطلب الأمر التضحية بزعماء سياسيين أحرار، كما حدث مع الرئيس محمد بوضياف.
2- حرب بالنيابة لصالح قوى أخرى: الجيش الجزائري يعمل كمقاول حروب لصالح قوى أكبر، خصوصا الدولة العميقة في فرنسا التي صنعت الدولة الجزائرية وتدير شؤونها الاستراتيجية،هذا التحالف يعزز الصفقات العسكرية بملايين الدولارات.
3- العسكرة كنهج سياسي: النخبة العسكرية الجزائرية نشأت على فكرة أن السياسة تبدأ من الثكنات ومراكز الاستخبارات، هذا النهج العسكري يجعل من الصعب على أي قائد عسكري الخروج عن هذا الإطار.
رد فعل المغرب
في مواجهة هذه التحديات، تبنى المغرب استراتيجية متعددة الأبعاد:
1- تعزيز الاعتراف الدولي: يعمل المغرب على كسب دعم القوى الكبرى للاعتراف بمغربية الصحراء، هذا الدعم الدولي يعزز موقف المغرب ويضعف مناورات الجزائر.
2- تقوية الجبهة الداخلية: يركز المغرب على تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة أي تهديدات أو محاولات لزعزعة الاستقرار.
3- تحديث الجيش: يسعى المغرب إلى تطوير القوات المسلحة الملكية من خلال تحديث الآليات وترسيخ المهنية، مما يعزز قدراته الدفاعية.
4- التوجه نحو المستقبل: يركز المغرب على المستقبل بدلا من الانشغال بالمؤامرات الجزائرية، والتوجه نحو البناء والتنمية يعزز من قوة المغرب ومكانته الإقليمية.
التغيرات الدولية وتأثيرها
العالم يتغير بسرعة، والمغرب يدرك هذه الديناميكية ويستغلها لصالحه، في المقابل، يظل الجيش الجزائري متمسكا بالسلطة والثروة، محاولا إفساد أي تفاهمات إقليمية ممكنة حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الجزائري، وفي النهاية يبقى المغرب ملتزما بالدفاع عن مصالحه وسيادته، مواجها تحديات عديدة بحكمة وعزم، يكمن هذا التحدي الأكبر في التعامل مع جارة السوء التي تفضل منطق الحرب والمواجهة، ومع ذلك يبقى المغرب مصمما على المضي قدما نحو مستقبل أكثر إشراقا واستقرارا.