حكيمة القرقوري
دور النظام الثنائي البرلماني المغربي
في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، قدم أساتذة جامعيون وباحثون مشاركون قراءات متقاطعة حول مراحل التطور الدستوري لبنية ووظائف البرلمان. استعرضوا النظام الثنائي البرلماني والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى آلية تقييم السياسات العمومية.
تناول الأكاديميون في الجلسة الأولى خصوصية النظام البرلماني في ضوء الوثيقة الدستورية، حيث يعتمد على الثنائية البرلمانية وتأسيس العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما تم التركيز على تعزيز الديمقراطية التشاركية كمجال جديد لتعزيز المبادرات التشريعية وتعزيز الثقة في المؤسسات.
أشار الأكاديمي والرئيس السابق للمجلس الدستوري، محمد أشركي، أن النظام الثنائي البرلماني في المغرب يتميز بتمثيلية واسعة للمجتمع وتعددية التعبير. وأشار إلى أن الدستور ينص على تمثيل الجهات والجماعات الترابية والغرف المهنية ومنظمات المشغلين وممثلي المأجورين. وأوضح أن هذا النوع من التمثيلية نادر في الدساتير العالمية، حيث يوجد فقط في إيرلندا وسلوفينيا.
وأشار أيضا، أن النظام الثنائي البرلماني في المغرب متوازن داخليا وخارجيا، وهذا ما يعكسه تركيبة مجلس المستشارين. وأوضح أن ثلاثة أخماس أعضائه ينتخبون من ممثلي مجالس الجهات والجماعات الترابية، والثلثين المتبقيين يمثلون الغرف المهنية ومنظمات المشغلين. وأضاف قائلا ،أن هذا يساهم في تعزيز ممارسة البرلمان لوظائفه وتعزيز الديمقراطية.
وأثار أشركي سؤالًا حول مستقبل الثنائية البرلمانية في المغرب، مؤكدًا على ضرورة مراقبة الممارسة التي تعتبر أن النظام الثنائي البرلماني يبطئ التشريع. وردًا على ذلك، أكد الباحثون أن التسرع في التشريع يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ غير صحيح للقوانين. وأشار إلى أن الأكاديميون المشاركون في الندوة أكدوا أيضًا على أهمية تقييم السياسات العمومية ومراقبة عمل الحكومة من قبل البرلمان، وتم تسليط الضوء على آلية التقييم التشريعي والرقابي التي تسمح للبرلمان بمراجعة تنفيذ السياسات وتقييم نتائجها وتأثيرها على المجتمع.
وأوضح الباحثون أن التقييم البرلماني يشمل تقييم السياسات العمومية من حيث فعاليتها وكفاءتها وتأثيرها على المجتمع و الاقتصاد. وكذا تسليط الضوء على أهمية استقلالية البرلمان في أداء وظيفته التشريعية والرقابية، وضرورة تعزيز قدرات النواب في مجال التقييم والمراقبة.
وتم التأكيد على أن البرلمان يجب أن يكون منبرًا لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وأن يلعب دورًا فاعلاً في مراقبة الحكومة وتحقيق التوازن في السلطات.
تمت خلال الندوة مشاركة الأفكار والتجارب المستفادة من تجارب دول أخرى في مجال تعزيز دور البرلمان وتحسين آليات التقييم والرقابة. وتم التأكيد على ضرورة تعزيز التواصل والتشاور بين البرلمان والمجتمع المدني والمؤسسات الأخرى لتحقيق تطور دستوري وديمقراطي مستدام في المغرب.
بهذه الطريقة، قدمت الندوة الوطنية مناقشات هامة حول النظام البرلماني في المغرب ودوره في تعزيز الديمقراطية وتقييم السياسات العمومية. وتم تسليط الضوء على أهمية تحقيق التوازن بين السلطات وتعزيز دور البرلمان كرقيب على الحكومة وضامن لحقوق المواطنين.
العلاقة بين الحكومة والبرلمان وتقييم السياسات العمومية في المغرب
أدلّى عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بتصريحات تشير إلى أن القواعد الدستورية تؤكد على تعزيز العلاقة والتكامل بين الأغلبية الحكومية والبرلمانية. وأشار إلى أن الدساتير تسعى إلى تعزيز التنسيق بين الحكومة والبرلمان من خلال إنشاء وزارة مختصة في العلاقات مع البرلمان، والتي تهدف إلى تسهيل الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأكد الاستاذ عبد الحفيظ أدمينو، أن هذه الوزارة تلعب دورًا هامًا في تمثيل الحكومة في البرلمان وتقريب وجهات النظر بينهما. وأشار إلى أن دور هذه الوزارة يتأثر بشكل كبير بتوافر أغلبية مريحة في البرلمان، حيث يواجه وزير العلاقات مع البرلمان صعوبات عندما لا يتحقق التوافق بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية.
وأشار الأستاذ الجامعي أيضًا إلى القانون التنظيمي الخاص بالحكومة رقم 65.13، الذي يحدد التزامات الحكومة تجاه المؤسسة التشريعية ويعزز المأسسة ويضع الممارسات في إطار قانوني. كما تم إقرار نظام خاص للمعارضة البرلمانية لمنحها حقوقها وتأمين ممارستها.
وفي إحاطته حول تقييم السياسات العمومية وفعاليتها، تناول الأستاذ الجامعي محمد الطوزي المفاهيم المؤسسة لعملية التقييم، مؤكدًا على الفرق بين التقييم والمراقبة والمساءلة والمحاسبة.
وأشار محمد الطوزي، أنه بالرجوع إلى الأدبيات المؤسسة لمفهوم التقييم، يمكن القول إن تقرير الخمسينية لم يُعطِ الاهتمام الكافي لهذا المفهوم، وأنه لم يستخدم منهجيات التقييم بشكل شفاف. وأضاف أنه قدم رؤية لتطوير السياسات العمومية في المغرب.
من ناحية أخرى، اعتبر الأكاديمي أن عملية التقييم تواجه عقبات تتعلق بجوانب ثقافية تتعلق بتحديد المسؤوليات في الثقافة السياسية. وأكد أن التقييم لا يمكن أن يكون ممارسة تواكب السياسات العمومية إلا إذا توفرت فرصة للفاعل السياسي والترابي لمواجهة المخاطر.
تأثير المتابعة والمحاسبة على الفعل العمومي
أكد الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية، محمد الطوزي، أن الفعل العمومي في المغرب يعاني من المتابعة والمحاسبة، مما يحد من قدرة الفاعلين الميدانيين على اتخاذ المبادرة والمجازفة والعمل. وفي إطار تقييم السياسات العمومية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للعمل البرلماني، أشار الطوزي إلى أهمية توفير بيئة مؤمنة للفاعل الإداري للتشجيع على الفعل والابتكار.
وأوضح الطوزي أن هذا التأمين لا يعني الهروب من المراقبة، وإنما يضمن حق الفاعل العمومي في الخطأ والحق في التجريم. وفي الوقت الحالي، يسود مناخ المتابعة والمحاسبة، مما يجبر الفاعلين على تجنب المبادرة والمخاطرة والعمل. وأكد الطوزي أن تتبع المعطيات وإنتاجها بطريقة مستقلة وحرفية تلعب دورًا هامًا في تقييم السياسات العمومية، وأن جودة المؤشرات وتحديدها تؤثر في الأرقام والنسب المعلنة.
وأشار ايضا، إلى ضرورة تطوير جودة المعطيات وتحديثها والتوافق على المؤشرات في المغرب. وأوضح أن الاعتماد على المرجعيات الدولية واستخدام المقاربات التقييمية العالمية لتقييم الإنجازات التعليمية داخل المسار التربوي يعتبر تحديًا صعبًا. ومع ذلك، فإن ذلك يمهد الطريق لتقويم السياسات العمومية وبناء مستقبل أفضل للمغرب، وذلك في إشارة إلى مجال التعليم.
دور البرلمان في تقييم السياسات العمومية
أكد الأستاذ الجامعي في القانون العام جواد النوحي ،في السياسات العامة و السياسات العمومية على أهمية الوظيفة لتقييم السياسات العمومية ، وأشار إلى أنها تحظى بزخم نظري كبير. وبالتالي، يحتاج ممارسو هذه الوظيفة إلى تبني نمط برلماني مغربي يتمتع به البرلمان.
تطرق النوحي إلى التحديات التي يواجهها البرلمان فيما يتعلق بأثر آليات الرقابة على صناعة السياسات العمومية. أشار إلى أنه يجب أن يصبح البرلمان المغربي المنتج والمقيم الفعلي والمتميز للسياسات العمومية، وذلك نظرًا لأن هذه الوظيفة لم تعد مقتصرة فقط على المؤسسة التشريعية بموجب الدستور، بل انفتحت على فاعلين آخرين مثل هيئات الحكامة، مما يطرح مسألة “تميز البرلمان“.
أضاف الأكاديمي أنه يجب أن تكون تقارير البرلمان جاذبة وذات مصداقية، مع الأخذ في الاعتبار زخم تقارير العديد من الجهات المعنية بتقييم السياسات العمومية. شدد على أهمية مؤشر الفعالية في التقييم، والذي يعتمد على “تنفيذ السياسة العمومية في الإطار الزمني المحدد”.
وفي سياق ذات، أكد النوحي على أهمية تجاوز الالتباس الذي ينشأ في التقارب بين التقييم ومفهوم المراقبة، ودعا إلى ضرورة تفصيل التقييم عن التشريع والمراقبة في النظام الداخلي لمجلسي البرلمان. أوضح أن برلمانات اليوم هي برلمانات تمارس تقييم السياسات العمومية.
تستمر فعاليات الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، حيث تناقش في جلسة ثانية العلاقة بين البرلمان والممارسة الديمقراطية، بالإضافة إلى البرلمان المفتوح والتحديات المتعلقة بالعمل البرلماني.
وبهذه المناسبة، سيتم تكريم البرلمانيتين السابقتين بديعة الصقلي ولطيفة بناني سميرس، وذلك لكونهما أول سيدتين تم انتخابهما في البرلمان المغربي خلال التسعينيات من القرن الماضي.