الجزائر تقاطع مناورات الأسد الإفريقي
قررت الجزائر عدم المشاركة في النسخة الحادية عشرة من مناورات “الأسد الإفريقي”، المزمع تنظيمه في الفترة ما بين 12 و23 ماي 2025، بعدد من المدن المغربية من بينها أكادير، طانطان، تزنيت، القنيطرة، بنجرير وتيفنيت، وقد وجهت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” دعوة رسمية للجزائر للمشاركة بصفة “عضو مراقب”، إلا أن السلطات الجزائرية اختارت الانسحاب، وهو ما أكدته عدة وسائل إعلام جزائرية نقلا عن تصريحات لمسؤول أمريكي خلال ندوة عقدت عبر تقنية الاتصال المرئي، أوضح المسؤول ذاته أن الدعوة لا تزال قائمة، غير أن الجزائر رفضت تأكيد مشاركتها، مفضلة التراجع عن التزام مبدئي كانت قد أبدته عبر استعداد رمزي لإيفاد ستة ضباط يمثلون الجيش الوطني الشعبي.
دلالات سياسية تتجاوز البعد العسكري
قراءة القرار الجزائري في أوساط المحللين أنه موقف سياسي بالدرجة الأولى، أكثر من كونه قرارا فنيا أو عسكريا، فقد دأبت الجزائر، لعدة سنوات، على رفض الانخراط في مناورات تشمل المغرب، رغم الدعوات الرسمية المتكررة، ويعكس هذا التوجه حرص الجزائر على تمايزها الاستراتيجي عن التكتلات العسكرية التي تضم المملكة المغربية، لا سيما تلك التي تشمل شركاء غربيين كالولايات المتحدة، تحاول الجزائر تفسير هذه الخطوة في سياق جيو-استراتيجي للحفاظ على استقلالية موقفها الإقليمي، وتفادي أي شراكة عسكرية قد تفهم كنوع من التطبيع مع الوضع السياسي الذي ترفضه في ملف الصحراء المغربية.
ملف الصحراء المغربية في خلفية القرار
رغم أن نسخة هذا السنة من المناورات لن تشمل المناطق المتنازع عليها كإقليم المحبس مثلا إلا أن السلطات الجزائرية تنظر بعين الريبة إلى أي تعاون عسكري دولي على الأراضي المغربية، تعتبره “شرعنة” ضمنية للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ويأتي هذا في وقت تعيش فيه العلاقات الثنائية بين الرباط والجزائر جمودا دبلوماسيا حادا، منذ قرار الجزائر قطع العلاقات في سنة2021.
خلافات داخلية واعتبارات أيديولوجية
اللافت في الأمر أن قرار الانسحاب لم يكن بالإجماع داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، حيث تفيد تقارير بأن القيادة العليا للجيش كانت تميل إلى مشاركة رمزية، لكن جناحا نافذا داخل السلطة يرى أن الانخراط في مناورات يشارك فيها المغرب تمثل تهديدا لعقيدة الجيش الجزائري، التي ما تزال تنظر الى المغرب خصما استراتيجيا تقليديا، يعكس هذا الانقسام الداخلي تباينا في وجهات النظر داخل دوائر الحكم حول كيفية التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
المشاركة ورقة سياسية أم ذريعة؟
من بين المبررات التي قدمتها الجزائر لتبرير موقفها، وجود وحدات عسكرية إسرائيلية في المناورات، رغم أن الجيشين الجزائري والإسرائيلي سبق أن شاركا في تمارين متعددة الأطراف ضمن أطر أخرى، على غرار حلف شمال الأطلسي، ويبدو أن النظام الجزائري يوظف هذه الحجة لتعزيز خطاب “العدو الخارجي”، وتوحيد الجبهة الداخلية، خصوصا في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.
رفض ضمني للوساطة الأمريكية
قرار عدم المشاركة قد يفهم أيضا كرسالة موجهة إلى الولايات المتحدة، في ظل الحديث عن وساطة أمريكية بين المغرب والجزائر، كشف عنها مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تصريحات حديثة، إذ تسعى الجزائر إلى تجنب أي خطوة قد تفسر كقبول بتدخل أمريكي في ملف الصحراء، أو إشارة إلى انفتاح محتمل على الحوار.
انسحاب جزائري من المناورات
يعبر انسحاب الجزائر من مناورات “الأسد الإفريقي” عن موقف مركب، تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والإيديولوجية والاستراتيجية، فرغم أن المناورات تحمل طابعا عسكريا محضا، إلا أن قرار عدم المشاركة يعكس تحفظا جزائريا واضحا تجاه أي انخراط يمكن أن يفسر على أنه تليين في موقفها من المغرب أو تغيير في عقيدتها الدفاعية، كما أنه يؤكد استمرار توجه الجزائر في الابتعاد عن التكتلات الإقليمية التي تضم الرباط، في إطار سعيها لتكريس موقعها كقوة إقليمية مستقلة، وإن كان ذلك على حساب التعاون الأمني في منطقة مغاربية تعاني من تحديات أمنية متزايدة.