مليكة بوخاري
نقد أداء الرئيس الجزائري عبد المجيد
كتب الصحافي والمدير السابق لمجلة “لو نوفيل إيكونوميست” ورئيس تحرير سابق لمجلة “الإكسبريس”، *جان بيار سيريني*، مقالة في موقع “أوريون 12” تناول فيها أداء الرئيس الحالي أو المقبل، *عبد المجيد تبون*، في سياق الانتخابات الرئاسية المقررة في الجزائر في السابع من شتنبر 2024.
عبد المجيد تبون الرئيس الأقل نشاطا
يُعتبر عبد المجيد تبون، الذي يبلغ من العمر 79 سنة، من بين الرؤساء السبع الذين تولوا حكم الجزائر منذ استقلالها قبل 62 عاما، الذي يعتبر الأقل نشاطًا والأكثر سلبية، ورغم ذلك، يسعى للحصول على عهدة ثانية في الانتخابات المقبلة، مما يثير تساؤلات حول دوافعه وأدائه.
الظروف الاستثنائية للصعود إلى السلطة
تعيين تبون، الذي لم يشارك في حرب الاستقلال سنة “1954-1962” بسبب صغر سنه، جاء نتيجة تآلف مجموعة من الظروف الاستثنائية. فقد تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة المحلية في سن الخامسة والعشرين، وتولى مناصب قيادية في الحكومة، منها كوالي ووزير، يعتبر اهم “إنجازه” بناء وحدات سكنية اجتماعية في العاصمة الجزائر، والتي وصفت بأنها متهالكة، رغم أنه تولى رئاسة الحكومة لفترة قصيرة في سنة 2017، إلا أن تلك الفترة كانت مليئة بالتحديات، حيث أُعفي من منصبه بعد أقل من ثلاثة أشهر.
الفرصة الثانية في ظل التغيرات السياسية
جاءت فرصة تبون للعودة إلى السلطة بعد فشل مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق *عبد العزيز بوتفليقة*، مما أتاح له الترشح للرئاسة بدعم من اللواء *أحمد قايد صالح*، ولكن بعد انتخابه، توفي قايد صالح، ووجد تبون نفسه في عزلة سياسية، محاطا بقائد الأركان الجديد سعيد شنقريحة.
نهاية مأساوية للأتباع
شهدت الفترة التي تلت انتخاب تبون عملية تطهير قاسية طالت أتباع قايد صالح، مما زاد من عزلته السياسية، ورغم كل هذه الظروف، يبقى تبون أحد الناجين القلائل من هذا الصراع السياسي، أما مسيرة عبد المجيد تبون تطرح العديد من التساؤلات حول قدرته على قيادة الجزائر نحو مستقبل أفضل، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة لأدائه، مع اقتراب موعد الانتخابات، يبقى مستقبله السياسي غامضا، مما يستدعي من الناخبين التفكير مليا في خياراتهم.
تحليل الوضع السياسي في الجزائر فرض أم تكتيك؟
يتساءل الكثيرون عما إذا كان الوضع الراهن قد فرض على الرئيس تبون أم أنه كان نتيجة لأسلوب تكتيكي متعمد، في جميع الأحوال، أصبح حضوره في الرئاسة شبه سري، حيث يعيش في عاصمة البلاد، محاطا بعدد قليل من المخلصين، لم يقم بزيارة الولايات الداخلية سوى مرتين خلال ما يقارب خمس سنوات، مما يعكس عزلة واضحة عن الشعب.
غياب الفعالية الدولية
تجنب الرئيس المشاركة في القمم العالمية، سواء مع الصين أو الولايات المتحدة، أو حتى ضمن مجموعة البريكس، هذا التجاهل، الذي يعتبر مهينا، يعكس تراجع الجزائر على الساحة الدولية،الرئيس تبون لا يتحدث كثيرا، ويمتاز بضعف لغته العربية والفرنسية، إذ يظهر عدم قدرته على إلقاء الخطابات بشكل سلس، حيث يتهجى الكلمات ويعاني من صعوبة في التركيز على المعاني المعقدة.
تواصل محدود مع الإعلام
لم يُلق الرئيس سوى خطاب واحد إلى الأمة خلال فترة حكمه، مفضلا اللقاء مع أصحاب الجرائد بدلا من الصحفيين، وهذه اللقاءات تبث بعد تنقيحها، مما يحد من شفافية المعلومات، وتميزت فترة حكمه بتغييرات متكررة في الوزراء، مما يعكس عدم الاستقرار السياسي، حيث يتم تنحية المسؤولين بشكل دوري، بما في ذلك الدبلوماسيين والقضاة.
الحريات العامة والحقوق
تمثل الحصيلة السياسية فترة قمع غير مسبوقة، حيث تدهورت الحريات العامة بشكل كبير، يسجن الآباء لإجبار أبنائهم على تسليم أنفسهم، وتتعرض الصحافة لقمع شديد، مما أدى إلى إغلاق العديد من الصحف وسجن أصحابها، كما يواجه الممولون ضغوطات تهدف إلى ثنيهم عن دعم أي نوع من المبادرات الإعلامية أو الحقوقية.
الوضع الفكري والاجتماعي
أصبحت الحياة الفكرية في الجزائر شبه متوقفة، حيث تهيمن الكتب الدينية، بينما تبقى المواضيع المتعلقة بحرب الاستقلال من الموضيع القليلة المتاحة. هذا الفراغ الفكري يدفع الشباب، بما في ذلك المتخرجين، إلى الهجرة بشكل غير قانوني، حيث تزداد حركة الهجرة عبر البحر نحو إسبانيا، وبشكل عام، يتدهور الوضع السياسي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة تدهوراً ملحوظاً من خلال الحريات العامة وعدم استقرار النظام، مما يجعل مستقبل البلاد غامضا في ظل هذه الظروف القمعية.
الوضع السياسي والاقتصادي في الجزائر
يبدو أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أنه يأمل في تعزيز مكانته بعيدا عن نفوذ العسكر ، معتمدا على دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد تم التخطيط لعدة زيارات إلى باريس، إلا أن هذه الزيارات ألغيت دون تقديم توضيحات، تعيش الجزائر اليوم حالة من العزلة الدبلوماسية غير المسبوقة، حيث يشاع أن تبون تراجع عن حضور القمة العربية الأخيرة في البحرين في مايو 2024 بسبب عدم استقباله سوى واحد من نظرائه العرب لمقابلته بشكل منفرد، وفي الوقت نفسه، تواجه الجزائر تجاهلا متزايدا من الدول الخليجية الغنية، التي تفرض نفسها في الساحة العربية والإقليمية، باستثناء الإمارات العربية المتحدة، التي يبدو أنها تستمتع بإحباط الطموحات الجزائرية، وقطر التي تتبنى موقفا أكثر مرونة تجاه الإخوان المسلمين المحليين، فإن الجزائر تعاني من نقص الدعم، ومن جهة أخرى، أثرت التداعيات السلبية للانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل على علاقات الجزائر بجيرانها في الجنوب، ففي مالي، يوجه المسؤولون الاتهامات لتبون بدعم قضية الطوارق المتمردين، أما النيجر، التي يفترض أن يمر عبرها أنبوب الغاز المستقبلي بين نيجيريا وأوروبا، فقد أدانت الطرد القاسي لآلاف المهاجرين، وكما تبنت موريتانيا الحياد الصارم في النزاع بين الجزائر والمغرب، ما يزيد من عزل الجزائر مع تزايد دعم الملك محمد السادس، كما تهمشت الجزائر من قبل روسيا، التي كانت تدعم الجيش الوطني الشعبي لعقود، حيث تركز موسكو الآن على تعزيز نفوذها في أفريقيا.
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
عوضا عن التحسينات الموعودة خلال حملة تبون الانتخابية، فإن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو الانهيار، وتشهد الأسعار ارتفاعا غير مسبوق، حيث تباع دجاجة بائسة بألفي دينار، ما يمثل 10% من الحد الأدنى للأجور الذي يصل إلى 80 دولارا، فالأجور لا تتماشى مع معدلات التضخم، التي شهدت ارتفاعا ملحوظًا منذ ينة 2020، ويعاني المواطنون في الجزائر من تدني مستوى الخدمات، حيث يُعاني سكان الريف من عدم توفر الرعاية الصحية، وتُعتبر العيادات الخاصة باهظة التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، يعاني 3 ملايين عاطل عن العمل من تدني الأجور، مما يزيد من معدلات البطالة ويشجع على الهجرة غير الشرعية، يبدو أن الوضع الراهن بالجزائر يتطلب تدخلا عاجلا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إن التحديات المتزايدة تتطلب رؤية واضحة وحلول فعالة للتخفيف من معاناة الشعب الجزائري وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية.
تحليل الوضع الاقتصادي والسياسي في الجزائر
تواجه الجزائر تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الاعتماد المفرط على المحروقات، التي تشكل 60% من الإيرادات الضريبية و90% من عائدات النقد الأجنبي، وعلى الرغم من محاولات الحكومة لتبني استراتيجية جديدة تهدف إلى تنويع الاقتصاد، إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال،حيث تراجع الاستثمار الإنتاجي، وانخفضت نسبة الإقبال من الشركات الأجنبية، مما زاد من تفاقم الأزمات المالية، وقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير بتقلبات أسعار النفط، حيث شهدت البلاد تحسنا مؤقتا عندما تجاوزت الأسعار 100 دولار للبرميل، لكن هذه الحالات كانت نادرة، في سنة 2022، على سبيل المثال، جاء هذا الارتفاع نتيجة للأحداث الجيوسياسية، بينما استمر الركود في باقي السنوات، كما أن التسهيلات الضريبية التي قدمها قانون 2019 لم يكن لها الأثر المتوقع في جذب الاستثمارات.
القيادة السياسية والوضع المالي
تعاني الجزائر من عجز كبير في الميزانية، حيث يتوقع أن يصل إلى 8% في سنة 2024، وتعتمد الحكومة على القروض من البنوك العمومية، مما يهدد الاستقرار المالي للجزائر، وتشهد السوق الداخلية حالة من الركود، في ظل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، رغم أن الدولة لا تزال تقدم الدعم للوقود والكهرباء، عدم الكفاءة في الإدارة الاقتصادية قد حسَّن من موقف النظام العسكري الذي يسيطر على السلطة، أما أداء الرئيس تبون، أظهر ضعفا في التعاطي مع القضايا الاقتصادية، مما أثار استهجان الرأي العام بتصريحاته غير المدروسة، وكذا الشكوك حول قدرته على القيادة تتزايد، وقد تساءل الكثيرون إن كان هو الشخص المناسب لهذا المنصب.
حالة الحراك الشعبي
على الرغم من تراجع حراك 2019، لا تزال هناك رغبة قوية في العودة إلى حكم مدني، حيث يتطلع المواطنون إلى تغيير حقيقي في النظام، إلا أن السيطرة العسكرية على المؤسسات تظل عائقا أمام تحقيق هذه الأهداف، وتظهر الجزائر حاليا أمام مفترق طرق، حيث يتطلب الوضع الاقتصادي والسياسي اتخاذ قرارات حاسمة من أجل تحقيق الاستقرار والنمو، إن التحديات كبيرة، ولكن الأمل لا يزال قائما في إمكانية تحقيق تغيير إيجابي يلبي طموحات الشعب الجزائري.