تغير السياسية الجزائرية من التوتر
مليكة بوخاري
تشهد الساحة السياسية في الجزائر تحولا ملحوظا، حيث بدت تناقضات في تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ظل الحرب الإعلامية التي خاضها ضد فرنسا بشأن موقفها من قضية الصحراء المغربية، وفي خطوة غير متوقعة، تبنى تبون خطابا جديدا يميل إلى الانفتاح والود تجاه باريس، داعيا في تصريحاته الأخيرة إلى ضرورة التحلي بالحكمة في معالجة الخلافات، مؤكدا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعد مرجعا لحل القضايا العالقة بين البلدين، مشيرا إلى أن التقارب بين المغرب وفرنسا لا يسبب أي قلق للجزائر، وكما شدد على أن الزيارات الأخيرة للمسؤولين الفرنسيين إلى الأقاليم الجنوبية المغربية لا تمثل استفزازا للجزائر، يمثل هذا التوجه تغيرا واضحا مقارنة بالبلاغات السابقة لوزارة الخارجية الجزائرية، التي كانت تعبر عن استياء شديد تجاه مواقف الإليزيه، خاصة خلال زيارة وزير الثقافة الفرنسي إلى الصحراء” رشيدة داتي”، التي اعتبرتها الجزائر تهديدا يستوجب ويتطلب الشجب الإدانة، على أكثر من صعيد، كونه استخفاف سافر بالشرعية الدولية من عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
ارتباك سياسي للنظام الجزائري
يعكس الوضع الراهن الارتباك السياسي الواضح على الضعف الداخلي والاعتراف الضمني بالواقع الجديد للصحراء المغربية حسب العديد من المحللين، حيث تعاني الجزائر من أزمة في العقيدة وتعقيد الهوية، بالإضافة إلى غياب استراتيجية سياسية واضحة، مما أدى إلى فقدان الاستقرار في المواقف والوقوع في تناقضات تعكس عجز النظام عن إدارة أزماته الخارجية بفاعلية، وتشير هذه الظروف أن الدبلوماسية الجزائرية تأثرت بشدة بالصراع القائم داخل دوائر الحكم، حيث ربطت أدائها بشكل وثيق بالسياسات الاندفاعية للرئيس والنظام العسكري، في ظل غياب خطة دبلوماسية متوازنة، من خلال تصريحات تبون التي أدت الى تراجع عن مواقفه السابقة، مما يبدي تخبطه السياسي وارتباكه الدبلوماسي واضحا في الوقت الذي حققت فيه المملكة المغربية تقدما في الدفاع عن قضيتها العادلة.
الجزائر وازدواجية الرؤية
تغيير المواقف الجزائرية في البلاغات والتصريحات يعكس حقيقة واضحة، عدم وجود رؤية ثابتة أو موقف محدد للنظام بشأن الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، فالتطورات التي أحرزها المغرب في هذا الملف، من أجل إيجاد حل سياسي تفاوضي تحت السيادة المغربية، حيث بات يدرك النظام الجزائري أن الفاعل السياسي في باريس يسعى لفصل علاقاته مع المغرب عن باقي الديناميكيات الإقليمية، وبشكل خاص المسار مع الجزائر، وقد أدركت الجزائر أن المغرب طور شراكات فعالة مع جيرانه بناءا على مبدأ الحفاظ على وحدته الترابية، مما جعل من الضروري أن يبذل الجانب الفرنسي جهودا أكبر لتأييد السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، لضمان استقرار العلاقات المغربية الفرنسية.
استعادة العلاقات الفرنسية الجزائرية
على الجانب الآخر، فإن استعادة العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى سابق عهدها تعتمد على التزام الجزائر بالقواعد الإقليمية التي فرضتها التغيرات الجيوسياسية الراهنة، والتي تهدف إلى تقليل الأزمات السياسية والعسكرية في منطقة مليئة بالتحديات، ويجب على النظام الجزائري التخلي عن استراتيجياته القديمة التي تسعى للتلاعب بالملفات الإقليمية وخلط الأوراق، إن التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري توضح رغبة الجزائر في تهدئة التوترات مع فرنسا، التي تعتبر دولة مؤثرة في السياسات الأوروبية وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي.
الجزائر تفقد الأمل في تغيير موقف فرنسا
فَقَدَ النظام الجزائري الثقة في إمكانية تغيير فرنسا لموقفها بشأن الصحراء المغربية، مما جعله يسعى لاستعادة العلاقات مع القصر الإليزيه، حيث ربطت الجزائر سياستها الخارجية بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مما أدى إلى عزلتها على الساحتين الدولية والإقليمية، دفعتها هذه العزلة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها وتجنب الصدام مع فرنسا، لإمتلكها ملفات حساسة قد تضع النظام الجزائري في موقف محرج، منها قضية ممتلكات المسؤولين الجزائريين في الخارج.
قلق الجزائر من التقارب الفرنسي المغربي
تشعر الجزائر بقلق متزايد من التقارب الفرنسي المغربي، رغم تصريحات تبون التي تنفي ذلك، يعود هذا القلق إلى عدة عوامل، منها التاريخ الاستعماري الفرنسي وتأثيره، بالإضافة إلى التنافس على النفوذ في شمال إفريقيا، تعتبر الجزائر هذا التقارب تهديدا لمواقفها في القضايا الإقليمية والدولية، تعكس التصريحات الصادرة عن الخارجية الجزائرية منذ بداية دعم فرنسا لموقف المغرب، تناقضا مع تصريحات تبون الحالية، حيث حاولت الجزائر في البداية تقديم إغراءات وضغوط على باريس، بينما استمرت فرنسا في الحفاظ على موقفها الذي يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية. ويعزى دعم باريس لسيادة المغرب على الصحراء إلى أسس استراتيجية وجيوسياسية متعددة، منها الشراكة المتينة بين المغرب وفرنسا في مجالات عدة، خاصة في الأمن ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الوزن الإقليمي للمغرب كحليف رئيسي في السياسات الفرنسية والأوروبية في شمال إفريقيا.