مليكة بوخاري
زيارة دي ميستورا
يبدو من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، أنه يرغب في سحب الثقة و إيجاد مبرر لإنهاء مهامه، بناءً على الانحياز الواضح، حيث زار دي ميستورا جنوب إفريقيا للتفاوض مع قادة الدولة بشأن قضية تبعد عن منطقة النزاع بآلاف الكيلومترات وتفصلها عنها حدود إثنى عشرة دولة.
وقد تظهر السجلات السابقة لدي ميستورا في الأمم المتحدة أنه لم ينجح في أي من مهامه السابقة كمبعوث خاص للأمين العام في سوريا، أفغانستان ، العراق، أو كممثل شخصي للأمين العام في جنوب لبنان. و بالرجوع الى الأزمات التي تدخل في المحاولات لحلها، نجد أنها لا تزال قائمة ومعقدة حتى اليوم، ربما أكثر من ذي قبل.
ومن المؤكد أن دي ميستورا تجاوز اختصاصاته وانحيازه بشكل كبير عندما زار جنوب إفريقيا. يمكننا القول أن بلاغ تعيينه من قبل الأمين العام غوتيريس في سنة 2021 ، المنشور على موقع الأمم المتحدة، يحدد مهمة دي ميستورا بوضوح من خلال تكليفه ببذل جهوده الحميدة نيابة عن الأمين العام والعمل مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الدول المجاورة وأصحاب المصلحة الأخرى، بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2548 الصادر في سنة 2020.
ويبدو أن دي ميستورا تجاوز صلاحياته عندما التقى وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ،هذه الدولة التي تعارض المغرب وليست طرفًا معنيًا بالنزاع ولا دولة جارة ولا دولة استعمارية سابقة، وبالتالي، لا يمكن أن تكون محل اهتمام المبعوث الأممي في قضية لا تخصها ولا ترتبط بها.منعطف خطير في عمل المبعوث الأممي، الذي يبدو أنه فقد التوجيه وضل طريق الحل.ما يثير تساؤلات حول مصداقيته الأممية وما إذا كانت تحركاته تهدف فعلاً إلى إيجاد حل سياسي وواقعي، أم أنه أصبح عاملاً يعيق الحل بإدخاله دول غير معنية في المسألة وجعلها تتخذ القرارات.
يعتمد نجاح مبعوث الأمم المتحدة على حياده وعدم انحيازه لأي طرف على حساب الآخر، وأن يكون على قدم المساواة مع جميع الأطراف المعنية،ما هو سبب فتح دي ميستورا مفاوضات جانبية مع جنوب افريقيا، ما يعيق تحقيق حل متفق عليه، ويجعل المبعوث الأممي منحازًا ومتأثرًا بالتأثيرات والمناورات الخارجية.
تطرح هذه الديناميكيات التي تتبع نهجًا مختلفًا عن المسار السابق لملف الصحراء منذ سنة 2007 تساؤلين. الأول يتعلق بدوافع زيارة المبعوث الشخصي لجنوب أفريقيا في هذا السياق السياسي، والثاني يتعلق بالرسالة التي يستقبلها المغرب من خلال هذا الموقف المفاجئ.
تبريرات المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة تبدو سطحية وغير مستندة إلى أي إطار قانوني، ولا تحترم معايير التشاور مع الأطراف المعنية في النزاع. فقد حددت قرارات مجلس الأمن الأطراف المعنية بالعملية السياسية وآلياتها، وحددت أيضًا الإطار الذي يجب اتباعه في المسار، مثل استبعاد خيار الاستفتاء والاعتراف بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وعلى الرغم من التحدث عن حق وحرية المبعوث الشخصي للأمين العام في التشاور مع الأطراف التي يرى أن لها دورًا، فإن ذلك يتناقض مع رسالة التعيين التي تحدد صلاحياته والإطار الذي يعمل فيه.
من جانبه، اعتمد المغرب موقفين تجاه زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام. الأول هو الاعتراض الشديد على سلوك دي ميستورا وتأكيد مخالفته للأطر القانونية لمهمته وقرارات مجلس الأمن.
والثاني هو دعوته و عدم تضخيم دور جنوب أفريقيا وأكد أنها لم تكن لها قدرة على التأثير في ملف الصحراء في الماضي، سواء داخل مجلس الأمن أو في القارة الأفريقية بشكل عام.
وكما أعرب السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السيد عمر هلال، عن القلق إزاء زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا، مؤكدًا أنه لا يرى مبررا لشن حملة ضده، ودعا إلى إنهاء دوره بنفس الطريقة التي أنهى بها المغرب دور الأمين العام السابق “بان كي مون” في مارس 2016، واتهمه بتخليه عن حياده وموضوعيته خلال زيارته للمنطقة.
في السياسة الدولية، يصعب تصور حدوث أخطاء في تقدير الوضع بهذه الطريقة. ولذلك، يجب أن نلتقط الأحداث والتصريحات المختلفة التي تدور حول هذه الزيارة لتشكيل صورة أكثر وضوحًا. من الواضح أن هناك تباينًا في الآراء بين المغرب والأمم المتحدة بشأن دور المبعوث الشخصي والإطار القانوني لمهمته في الصحراء المغربية.
عزز المغرب موقفه المتمسك بالحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع في الصحراء المغربية، في حين تعتبر جماعة البوليساريو وحاضنتها للمحتجزين في مخيمات تيندوف. وتعتبر وجود البعثة الأممية للأمم المتحدة في الصحراء المغربية (MINURSO) هي المسؤولة عن إرساء السلام وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالنزاع.
في هذا السياق، فإن زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام لجنوب أفريقيا قد تفسر على أنها محاولة لفتح قنوات جديدة للحوار والتشاور بين الأطراف المعنية. قد يكون لجنوب أفريقيا دور محوري في هذا السياق، نظرًا لتاريخها بالنضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ودورها في نهاية النظام العنصري في البلاد.
ومع ذلك، يعبر المغرب عن قلقه إزاء هذه الزيارة ويشكك في مدى قدرة جنوب أفريقيا على التأثير في ملف الصحراء المغربية. قد عزز هذا القلق بعض الشكوك حول حيادية المبعوث الشخصي والإطار القانوني الذي يعمل به، ومن المهم أن يحترم المبعوث الشخصي للأمين العام القرارات الدولية والإطار القانوني لمهمته ويتعامل مع جميع الأطراف بشكل عادل ومحايد.
في النهاية، يبقى الوضع في الصحراء المغربية معقدًا ويتطلب حلًا سياسيًا شاملاً يتماشى مع القرارات الدولية ويحقق الاستقرار والتنمية للمنطقة،ايضا يجب أن تعمل الأطراف المعنية والمجتمع الدولي بشكل مشترك لإيجاد حل سلمي ومستدام لهذا النزاع المفتعل الطويل الأمد.
مخاوف إسبانيا من تفوق القدرات العسكرية المغربية
في الجوهر، الثمن الذي قدمه المغرب لن يشفع له، إن أثبتت النظارة الاستراتيجية الأمريكية أن حساباتها قد أربكت، ولذلك، لا غرابة أن تصير جنوب افريقيا المذمومة هذه الأيام، ورقة يتم تحريكها لإزعاج المغرب وردع رهاناته لكسب ملف وحدته الترابية، والمثير في الأمر، أن مدريد، أبدت تخوفها من التفوق العسكري المغربي، فقد نقلت صحيفة «لاراثون» الإسبانية تخوف المسؤولين الإسبان، من حصول المغرب على منظومة «هيمارس» الصاروخية من الولايات المتحدة، وأن ذلك سيضمن للمملكة المغربية تفوقا في هذا المجال على إسبانيا.
التحليل الذي يفك جزءا من هذه المفارقة، يرتبط بتقديرات استراتيجية أمريكية، ترهن مستقبل المنطقة بديمومة الصراع حول قضية الصحراء، وتضبط إيقاع تسارع الديناميات بعدم حصول اختلال في التوزان الاستراتيجي بين المغرب والجزائر لاسيما في مجال التسلح، ما يكشف ذلك، أن تقارير عدة صدرت مؤخرا تشير إلى تفوق المغرب العسكري على الجزائر، وأن هناك تخوفا من أن يحسم المغرب الصراع لصالحه، على الشاكلة التي حسمت بها أذربيجان الصراع مع أرمينيا حول إقليم «ناغورني كاراباخ» خاصة وأن التقرير يشير إلى وجود تشابه بين الأسلحة النوعية التي حصل عليها المغرب مؤخرا، وتلك التي حصلت عليها باكو، وحسمت به الصراع لصالحها في وقت وجيز، كما صنف موقع «إنسايدرمانكي» الأمريكي المتخصص في التصنيفات وتحليل البيانات يعد المغرب في المركز الثالث ضمن القائمة بأقوى 15 دولة في افريقيا خلال سنة 2024 معتمدا في ذلك عددا من المؤشرات الفرعية من بينها قضية التسلح، وأشار إلى أن الجيش المغربي مجهز بأسلحة غربية متطورة وحديثة، وأن المغرب بفضل علاقاته مع العديد من الدول ،بالرغم من أن تقارير عديدة تشير إلى تفوق المغرب عسكريا على الجزائر، وإمكانيتة حسم الصراع لصالحه في قضية الصحراء المغربية، إلا أن التحليل الاستراتيجي يرتبط بتقديرات استراتيجية أمريكية تراهن على استمرار الصراع بين المغرب والجزائر لضمان استقرار المنطقة وتوازن القوى في مجال التسلح ، يبدو أن المغرب قد تمكن من تعزيز قدراته العسكرية وحقق تفوق على الجزائر، وهو ما يثير قلق إسبانيا، التي تخشى من تفوق المغرب في مجال الصواريخ بحصوله على منظومة “هيمارس” من الولايات المتحدة.