اخبار عاجلة
جريدة الاخبار 24

تاريخ وقراءة في السياسة الجزائرية للتوترات والاعتداءات الاستراتيجية


تاريخ وقراءة في السياسة الجزائرية

مليكة بوخاري

نظمت الجزائر يوم 23 نونبر من السنة الجارية، ما أطلق عليه “يوم الريف”، حيث استضافت مجموعة من الأفراد مثيرين للجدل، الذين طالبوا بفصل جزء من شمال المغرب، فيمكن وصف هذا الحدث بأنه جريمة واضحة تضاف إلى سجل النظام العسكري الجزائري في الاعتداء والخيانة والتحريض ضد المغرب، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، ويعتبر هذا الفعل اعتداءا صارخا على سيادة المغرب وتاريخه وحضارته، كما يمثل خيانة للعهود والاتفاقيات العديدة الموقعة بين البلدين، منها اتفاق سنة 1961 مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، مرورا باتفاقية باماكو سنة 1963، وصولا إلى معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي سنة 1989، تنص هذه الأخيرة على عدم احتضان أي تيار أو تنظيم يهدد سيادة أو استقرار أي دولة مغاربية، فما قامت به الجزائر ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو عمل يستهدف تقويض استقرار المغرب ونسف العلاقات التاريخية بين البلدين.

استمرارية العدوان الجزائري ضد المغرب
لا ينبغي لنا، كمغاربة، أن نعتبر “يوم الريف” مجرد حادثة عابرة أو زلة غير مدروسة، بل هو جزء من سياسة الدولة الجزائرية وعقيدتها العدائية منذ تأسيسها سنة 1962،يتجلى هذا الأمر  بوضوح في التصريحات الموثقة لرؤسائها التسعة، بدءا من أحمد بن بلة وصولا إلى عبد المجيد تبون، إضافة إلى ذلك، ليس هناك أدلة أقوى من الأفعال العدائية التي اتبعتها الجزائر، منذ استقلالها عن فرنسا، هذه الأفعال تبدي نية الجزائر المستمرة في تهديد استقرار المغرب وسيادته، مما يبرز طبيعة العلاقة المتوترة بين البلدين، إن فهم هذه الديناميكية التاريخية تساعد في إدراك حجم التحديات التي يواجهها المغرب، والتأكيد على ضرورة التصدي لأي محاولة تمس بسيادة الوحدة الوطنية.

سلسلة الاعتداءات الجزائرية ضد المغرب
فلا يمكن أن نغفل التاريخ المؤلم الذي جمع بين الشعبين المغربي والجزائري، قبل أن تجف دماء الشهداء المغاربة الذين سقطوا بجانب الجزائريين في ثورة التحرير، إذ سارعت الجزائر بشن هجوم على المركز الحدودي المغربي بحاسي بيضا، حيث قتلت عشرة من “القوات المساعدة”، كانت هذه الاعتداءات بمثابة شرارة التي أشعلت ما يعرف بحرب الرمال، التي استمرت ثلاثة أسابيع وامتدت لتشمل مناطق “تنجوب وفكيك وإيش”، إضافة إلى ذلك، ارتكبت الجزائر جريمة أخرى لتضليل الرأي العام، حيث ادعت زورا أن المغرب هو من بدأ الهجوم في تلك الحرب، هذا الأسلوب في الكذب الرسمي يتكرر، كما حدث في سنة 2021 عندما زعمت الجزائر أن المغرب أشعل النيران بغابات “تزي وزو”، التي تبعد أكثر من 600 كيلومتر عن الحدود المغربية، وإثر ذلك تواصلت الاعتداءات الجزائرية العسكرية بشكل مباشر، كما هو معروف بمعركتي “أمغالا الأولى والثانية” سنة 1976، حيث استخدمت الجزائر الميليشيات الارهابية حتى سنة 1988، فبعد فترة من الهدوء، تصاعدت التوترات في سنة 1994 مع الحادث الإرهابي بمراكش، ولم تتوقف الاعتداءات عند هذا الحد، بل استمرت حتى حادثة مقتل ثلاثة شبان مغاربة أثناء لعبهم بدراجاتهم المائية على شاطئ السعيدية، بالإضافة إلى مقتل آلاف الشهداء خلال حرب الاستنزاف بالصحراء المغربية، ووقوع حوادث متكررة على الحدود، منها قتل رعاة الغنم وطرد المزارعين من أراضيهم التاريخية بواحة العرجا سنة 2021، هذه الأحداث تمثل جزءا من قائمة طويلة من الاعتداءات التي يصعب حصرها، تعكس هذه السلسلة من الاعتداءات السياسة العدائية المستمرة التي ينتهجها الظام العسكري الجزائري تجاه المغرب.

آخر محاولات الجزائر للتأثير على وحدة المغرب
إن ما قامت به الجزائر يوم21 نونبر 2024 يمثل “آخر الطلقات” في سياستها العدائية تجاه المغرب، من خلال اختلاق حركة ارهابية في شمال المغرب، وسعيها للهروب إلى الأمام، مدركة أنها فقدت تلك الورقة في الجنوب، فتحركاتها الأخيرة  “منطقة الريف” تعكس اعترافا ضمنيا بهزيمتها في الصحراء المغربية، وتعيد إلى الأذهان تقسيم أراضي المغرب بين قوتين استعماريتين: منها إسبانيا بالريف ، وفرنسا في الصحراء وباقي الأقاليم. سعت الجزائر، من حيث لا تدري، إلى تقديم حجج للعالم تبدي أن هدفها ليس تقرير المصير المزيف، بل هو ضرب مصالح المغرب وتفتيت وحدته بأي وسيلة، وقد عبر “هواري بومدين” عن هذا الأمر في أحد خطبه، عندما أكد أن قضية الصحراء ستكون “حجرا في حذاء المغرب”، علاوة على ذلك، فقدت الجزائر توازنها بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحراءه. هذا الاعتراف أدى إلى تأكيد فرنسا وإسبانيا، اللتين كانتا وراء تقسيم أراضي المملكة المغربية، على موقفهما، كما تقلص عدد الدول الداعمة للمشروع الانفصالي إلى أقل من 27 دولة، بعد أن سحبت بنما اعترافها بجمهورية ابن بطوش المعلنة في تندوف، وحتى الدول التي لا تزال تعترف بالكيان الوهمي بدأت تلتزم الصمت والحياد، باستثناء جنوب إفريقيا وبدرجة أقل فنزويلا، وقد يجلى ذلك في موقف موزمبيق، التي امتنعت عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن 2756 بشأن الصحراء المغربية في نهاية أكتوبر 2024، نفس الموقف الذي اتخذته روسيا، التي تعتبرها الجزائر حليفتها الرئيسية، مما أدى إلى إحباط دبلوماسي دفع مندوب الجزائر إلى الانسحاب من جلسة التصويت، حاملا معه شعور الخيبة والهزيمة، هذه التطورات تعكس مدى ارتباك الجزائر وفشلها في تحقيق أهدافها، مما زاد من تعزيز الوحدة الوطنية وموقفه في الساحة الدولية.

استراتيجية فعالة لمواجهة التهديدات الجزائرية
في ظل الوضع الخطير للنظام العسري الجزائري والمتعلق بمحاولة استغلال ورقة الريف، يتضح للجميع أننا أمام استراتيجية مدروسة ومستمرة عبر مختلف الحكومات والرؤساء الجزائريين، من أجل إلحاق الضرر بمصالح المملكة المغربية بكل الوسائل الممكنة، لقد أظهر الوزير الأول “عبد المالك سلال”، خلال محاكمته، أنه أنفق عشرات المليارات من الدنانير لتخريب صناعة السيارات بالمغرب، مما يعكس نية هذا النظام الواضحة فلذا، لا نغفل عن حقيقة أن شعار “الدفع بالتي هي أحسن” لا يمكن أن يكون ملاذا أمام من يعتبرنا عدوا استراتيجيا بالتسامح، فالسياسة ليست مجالا للنوايا الحسنة أو الهدايا المجانية، بل هي ساحة للتدافع والمنافسة، لقد جرب المغرب، على مدى ستة عقود، سياسة التسامح، اليد الممدودة وغض الطرف، لكن ذلك لم يثمر سوى عن المزيد من الإستعلاء والاستكبار من جانب جارة السوء الشرقية، فعلينا أن لا نعيد
تكرار أخطاء الماضي، والانطلاق من نفس الافتراضات، ثم انتظار تغيير في سلوك الطرف الآخر، والحل المنطقي والعملي يتطلب تغيير النهج والمقاربة إذا كنا نرغب في تصحيح الوضع المتوتر في العلاقات بين البلدين، علينا أن نتحرك، ولا ننتظر معجزة المصالحة، بل نستخدم كل الإمكانيات المتاحة لردع العدوان، والعمل على تحييد المخاطر والتهديدات التي استمرت طيلة ستين عاما دون تغيير، فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإجراءات فعالة لحماية مصالح المغرب، وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة أي عدوان محتمل.

استراتيجيات بديلة لمواجهة التحديات الجزائرية
للتوضيح،وتفاديا لكل التأويلات اني أؤكد لا أدعو إلى الحرب، ولكن من الحكمة الاستعداد لها كوسيلة لتحقيق السلام، فهناك العديد من الطرق لردع العدوان دون الانجرار إلى حرب عسكرية مباشرة، كما ترغب جارة السوء، التي تواجه بركانا يغلي داخليا منذ الحراك الشعبي، وصراعا دمويا بين الجنرالات، بعضهم تمت تصفيته جسديا، كالجنرال قايد صالح، في حين فر آخرون إلى إسبانيا أو فرنسا، وكالجنرال بلقصير قائد الدرك، بينما يقبع العديد منهم في السجون، بما في ذلك الجنرال جبار مهنا، مدير الاستخبارات الخارجية، لذلك نحن
في مواجهة عدو يقاتل شعبه، ويعاني من صراعات داخلية، وفقدان وهشاشة التوازن الاقتصادي، وأن نعمل على استكمال الشروط الداخلية والموضوعية لسقوط هذا النظام العسكري الديكتاتوري، وأن نتعلم من تجربة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، حيث تهاوى جدار برلين وتفككت دول أوروبا الشرقية، التي أدخلتها أمريكا في نطاق نفوذها، هذا نموذج للحرب غير التقليدية أثبت نجاحه، وما علينا إلا أن نكيفه مع بيئتنا الإقليمية، وذلك جهدا داخليا وتعاونا استراتيجيا مع حلفائنا، فهل سنستفيد من التجارب التاريخية والدروس المستفادة، أم سنعيد ارتكاب أخطاء الماضي، لتنفجر ألغامها في وجه الأجيال القادمة؟


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

هل يمكن اعتبار هوس إعلام الجزائر جزءا من استراتيجية النظام للتعامل مع الأزمات؟

هل يمكن اعتبار هوس إعلام الجزائر؟ مليكة بوخاري حقق المغرب في السنوات الأخيرة إنجازات بارزة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *