مليكة بوخاري
تمتاز المدن بارتباطها التاريخي بنمط التحضر واعتماد سكانها على نظام ثقافي وقيم ،سلوكيات ، تُعرف بـ “المدنية”. وتتميز المدن بتوافر مرافق ومساحات عامة كالساحات والحدائق والميادين والأرصفة، الأمر الذي يفتقر إليه الأرياف والبوادي. وذلك بسبب النمو السريع للمدن الحديثة، فقد فقدت العديد منها صفاتها الحضرية الفريدة وتحولت إلى تجمعات سكانية مكتظة.
تزايد عدد سكان المدن بوتيرة سريعة وعجزها عن استيعاب هذا النمو يرجع للهجرة المتوالية من الأرياف والبوادي إلى المدن، وتحدث هذه الهجرة لأسباب متعددة. فبعضها مرتبط بعوامل طبيعية مثل هجرة سكان المناطق الجافة، والبعض الآخر ينجم عن أسباب إقتصادية نتيجة ضعف التنمية في المناطق الريفية وتركز على فرص العمل في المدن الكبرى.
فزيادة نسبة سكان المدن بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، تجاوزت قدرة المدن على استيعاب هذه الزيادة، مما أدى إلى حدوث فشل حضري. ومن بين المظاهر البارزة لهذا الفشل ، زيادة سريعة في السكان غير المرتبطة بالتخطيط، وعدم توازن بين أعداد السكان وفرص العمل والوظائف المتاحة في المدينة، مما يتسبب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وتجبر هذه الأوضاع العاطلين عن العمل على ممارسة أنشطة تجارية غير منظمة وغير مراقبة، والتي تؤثر على الاقتصاد الوطني نتيجة تراجع القدرة على تحصيل الضرائب. ومن الأمثلة ، أنشطة “تجارة الرصيف” و”الباعة المتجولون” بواسطة العربات والدراجات والسيارات المتنقلة.
كما تؤدي هذه المشكلة إلى زيادة المتسولين في المدن المكتظة وانتشار ظاهرة “أطفال الشوارع”، فضلاً عن نشوء التجمعات العشوائية التي تنشأ نتيجة الهجرة غير المنظمة. وفي ظل غياب التخطيط العمراني، يقوم المهاجرون الجدد بإقامة مساكن عشوائية خارج إطار اللوائح والقوانين التي تفرضها البلديات. ومع مرور الوقت، تتحول تلك المساكن العشوائية إلى أحياء مزدحمة بالسكان وتفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية ، والبنية التحتية، وتعرف بإسم “العشوائيات” أو “مدن الصفيح”.
فالترييف الحضري يترتب عليه آثار سلبية تمتد لتشمل جوانب مختلفة في المجتمع والدولة. ويؤدي إلى انحرافات سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة. لذا، تتطلب هذه المشكلة من الجهات المعنية وضع برامج وخطط إقتصادية واجتماعية لإنهاء الترييف.
ومن المظاهر البارزة للترييف الحضري هي الأنشطة التي يمارسها المهاجرون في مستوطناتهم الجديدة، مثل تربية الدواجن والمواشي. داخل الأحياء السكنية، وغالبًا ما يتم تربية الدواجن فوق أسطح المباني، وتصبح رؤية الأبقار وهي ترعى داخل المناطق الحضرية شائعة، حيث تسير بجانب السيارات. وتؤدي وجود المواشي والدواجن إلى حدوث مشاكل بيئية وآفات تؤثر على سكان المنطقة.
علاوة على ذلك، يؤدي التكدس السكاني إلى انقراض المساحات المخصصة للمرافق العامة مثل الساحات والحدائق والملاعب. ونتيجة لذلك، يضطر السكان لممارسة الأنشطة الترفيهية في الشوارع والرصيف. ويتكرر منظر لعب الأطفال في الشوارع