اخبار عاجلة
جريدة الاخبار 24

العقوبات البديلة ريادة مغربية وإشعاع إفريقي وعربي


العقوبات البديلة ريادة مغربية

إن حماية منظومة حقوق الإنسان والإسهام الفعلي في تطويرها وكفالة الحقوق الأساسية الواردة بها سلوكا وممارسة يستلزمان التكريس الدستوري الإيجابي لهما، والعمل بالمرجعية الدولية أثناء سن القوانين الوطنية وفق مقاربة جديدة ذات البعد الإنساني تراعي ثوابت المملكة المغربية والتنوع الثقافي تعزيزا للمواطنة الكاملة، واستجابة لتطلعات المواطن المغربي للعيش في أمن وطمأنينة تحت مظلة مرفق القضاء الذي يجسد قيم العدل والمساواة ومبادئ العدالة والإنصاف، دعامة لتطور الحضارة ورغبة في مواصلة بناء المجتمع الديموقراطي الحداثي المتماسك، مجتمع العدالة والرفاه الاجتماعي قوانين تعزز الاحترام الواجب لحقوق الجناة والضحايا، خاصة وأنه بقدر ما تكون الحقوق والحريات مصونة بقدر ما تكون الدولة ومؤسساتها محل احترام وتقدير ومحل أمن وسعادة الجميع.

وعلى هذا الأساس، فإقرار قانون العقوبات البديلة بالمغرب يعد خطوة محمودة تستحق الإشادة تطويرا للسياسة الجنائية وانسجاما مع مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية للعدالة الجنائية، فبدلا من العقوبات السالبة للحرية وقوانين زجرية أخرى يتيح هذا القانون بدائل أخرى أكثر إنسانية وإصلاحية ويحقق الاندماج الاجتماعي وإعادة التأهيل وفق المرجعية الكونية تجسيدا لمبدأ التناسب في العقوبة والكرامة ومراعاة لحقوق الفئات الأكثر هشاشة، فالسلطة القضائية قادرة على تعزيز سيادة القانون وثقافة الامتثال وتحقيق التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة بالضمانات الحقيقية التي تمتلكها لفرض الاحترام الإلزامي للقانون وللمؤسسات الشرعية الذي يعتبر حجر الزاوية في الفكر القانوني الحديث وتطبيق قانون العقوبات البديلة بالشكل الذي ارتضاه لها المشرع.

وما من شك في أن العمل بقانون العقوبات البديلة كنظام عقابي جديد مؤشر قوي على جدية مسار التحديث القضائي تعزيزا للحق في العدالة الإصلاحية التي تعد جزءا من ورش الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة ومتطلبات دولة المؤسسات والحكامة الجيدة دفاعا عن الإنسان وعن كرامته الآدمية خاصة وأن هذا القانون سيساعد في تقليص الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، والتخفيف من الأعباء المالية للدولة والتي يمكن توجيهها إلى قطاعات أخرى أكثر حيوية كالتعليم والصحة…. فضلا عن ترسيخ الأبعاد الجديدة للأمن الإجتماعي وإعادة الإدماج، وتقليل حالة العود إعلاء لشأن القيم الإنسانية السامية التي تقتضي احترامها وتعظيمها، وبمقاربة فاعلة تؤكد أن العقوبات البديلة تمثل تحولا اقتصاديا واجتماعيا في النظام العقابي المغربي لا كأداة للجزاء فقط، وإنما توجها اجتماعيا إنسانيا في مفاهيم العدالة وتجديدا للثقة في مؤسسة القضاء كسلطة ضامنة للحقوق والحريات الأساسية ومساهمة في تعزيز العدالة الإجتماعية والمساواة دون تمييز.

ولقد أحسن المشرع المغربي صنعا بإقرار قانون العقوبات البديلة تماشيا مع قيم المجتمع المغربي وتجسيدا للحق في العدالة الأكثر إنسانية والأكثر عدلا اجتماعيا انسجاما مع التزاماته الدولية التي كرسها الدستور في مجال حقوق الإنسان، والتي تؤكد على أحقية المدان بالكرامة والمعاملة الإنسانية والضمان المنصف لحقوقه الأساسية وهو ما سايرته العديد من الدول مثل كندا والنرويج والسويد والتي أخذت بالعقوبات البديلة واعتبرتها جزءا فلسفة العدالة الجنائية تعزيزا للتكامل المجتمعي وإعادة لتأهيل السجناء ببدائل إنسانية أكثر فاعلية في مكافحة الجريمة.

وتأسيسا على كل ما سبق بيانه، فإن تنفيذ قانون العقوبات البديلة يتطلب التأهيل والتكوين القضائيين ودعم البنية التحتية الرقمية توفير آليات للرقابة لضمان التطبيق الأمثل لها، والتعاون الفعلي والإيجابي بين كل الفاعلين للفوز بمجتمع يدرك أهمية الإصلاح والتأهيل المنشود، فنحن نؤمن بقدرة القضاء وجاهزيته لضمان التطبيق الجيد والمنصف لها ضمانا لعدالة جنائية تحترم قدسية حقوق الإنسان وكفالة للحق في التعايش السلمي المشترك للفوز بمجتمع الحقوق والحريات.

محمد رضا الله بلكبير دكتور في الحقوق
أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة


تحقق أيضا

جريدة الاخبار 24

هل يمكن اعتبار هوس إعلام الجزائر جزءا من استراتيجية النظام للتعامل مع الأزمات؟

هل يمكن اعتبار هوس إعلام الجزائر؟ مليكة بوخاري حقق المغرب في السنوات الأخيرة إنجازات بارزة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *