الملك يبعث برسائل قوية في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية بالبرلمان
إفتتح الملك محمد السادس نصره الله وأيده ، الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة ، يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023 بمقر البرلمان بالرباط. وبهذه المناسبة، ألقى خطابا أمام أعضاء مجلسي البرلمان: مجلس النواب ومجلس المستشارين. تمحور الخطاب حول خمسة أفكار رئيسية تتعلق بالتضامن والروابط القوية التي تشكلت بين المغاربة بعد زلزال الحوز، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي أو العسكري أو المدني. واعتبر الملك أن هذه اللحظة تعبير عن الوحدة الوطنية وقدرة المغاربة على تجاوز الأزمات.وتطرق الملك إلى فلسفة إعادة النظر في مدونة الأسرة وأهميتها، فضلا عن سياسة الدعم الاجتماعي المباشر ودورها الحيوي. كما أكد على دور البرلمان في تكريس القيم التي تجمع بين المغاربة ودمجها في السياسات العمومية. يهدف ذلك إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة في المملكة المغربية .وبهذا الافتتاح، أعطى جلالته إشارة قوية بشأن التزامه بتعزيز الحوار الوطني والتشاور السياسي وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية في البلاد. كما أعرب عن ثقته في قدرة المغاربة على تحقيق التقدم والازدهار من خلال العمل المشترك والتعاون البناء.وفي ختام كلمته، أعرب الملك عن تفاؤله بمستقبل المغرب وقدرته على تحقيق التغيير الإيجابي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. دعا الملك جميع المغاربة إلى المشاركة الفعّالة في العملية الديمقراطية وتعزيز روح المواطنة لبناء مجتمع يعتمد على العدالة والمساواة والتضامن.
زلزال الحوز وتضامن المجتمع المدني والحكومة
يعد الزلزال الذي ضرب الحوز في 8 سبتمبر 2023 حدثًا مأساويًا يعبر عن الألم والحزن العميق. ومع ذلك، كشف هذا الحادث عن دور هام للمغاربة وللمجتمع المدني ومظاهر التكافل والتضامن الذاتي. والتضحيات التي قدمتها مؤسسات الدولة، سواء الحكومية أو العسكرية، وكانت جميعها تعكس الخطابات الملكية المشددة على الحاجة إلى التفكير في الجوانب الأخرى للأزمات والاعتماد على التعبئة والاستفادة من ما يحدث وراء الازمة.واعرب جلالته في خطابه الذي ألقاه في افتتاح السنة التشريعية الحالية، عن التعازي لشهداء الزلزال ، ودعا بالشفاء للجرحى. وما لفت الانتباه هو أن الملك لم يقتصر على تقديم التعازي والتمنيات بالشفاء، بل سلط الضوء ، على الصورة التي جسدها المغاربة وشاهدها العالم بأسره، وهي صورة التضامن التلقائي الذي أصبح محل إعجاب وتقدير الجميع. كما أشاد جلالته بالمبادرات النبيلة التي تم تقديمها من أجل تقديم المساعدة والدعم للمنكوبين، سواء كانت مساعدات عينية أو مواساة أو حملات تنظيف أو تأطير نفسي.1- توازيًا مع هذا العمل المدني، قامت الحكومة بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية مثل الإدارة الترابية ووزارات التجهيز والصحة ومصالح الأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت القوات المسلحة الملكية دورًا كبيرًا في عملية الإنقاذ والمساعدة للمتضررين، بما في ذلك نقل الضحايا وتقديم الإسعاف للجرحى وإيواء المتضررين وتوفير الغذاء، وذلك باستخدام كل الإمكانيات والموارد المادية والرمزية المتاحة للمؤسسة العسكرية، بما في ذلك التجهيزات الحديثة والرقة الإنسانية. 2-وقد امتدت الجهود المنسقة للتعامل مع آثار الزلزال إلى التعامل مع المساعدات الأجنبية، حيث تلقت المملكة المغربية دعوات ورسائل تضامن ومساواة من العديد من الدول ،التي عبرت عن رغبتها في تقديم المساعدة والدعم. وقدم جلالته شكره لجميع الدول التي وقفت إلى جانب المغرب في هذه الظروف الصعبة.تجاوز الفاجعة وتحقيق الانتصار.
قيم المجتمع المغربي والتوجيهات السامية
التوجيهات السامية لجلالة الملك والقيادة الحكيمة، والتعاون الوطني كانا عنصرين حاسمين في تجاوز الفاجعة وتحقيق الانتصار. تجلى دور القيادة الحكيمة في التعامل الفعال مع الأزمة واتخاذ القرارات الصائبة والسريعة في سبيل حماية المواطنين وإعادة بناء المناطق المتضررة. كما أظهرت القيادة الحكيمة التزامًا بالشفافية والمسؤولية في التواصل مع المواطنين، وتقديم المعلومات الدقيقة والصحيحة. بالإضافة إلى ذلك، لعب التعاون الوطني دورًا أساسيًا في تحقيق الانتصار وتجاوز الفاجعة. تعاونت جميع شرائح المجتمع المغربي، بدءًا من الحكومة والقطاع العام وصولًا إلى المواطنين العاديين، للمشاركة في الجهود الإغاثية وإعادة الإعمار. تكاتفت الجهود وتعاونت المؤسسات والأفراد للتغلب على الصعاب وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة وتوفير الدعم والمساعدة للمتضررين. وبفضل هذا التعاون الوطني والتضامن، تم تجاوز الفاجعة بنجاح. وقد أظهرت هذه الأزمة قدرة المغاربة على التكاتف والتعاون في مواجهة التحديات الكبيرة والتغلب عليها.باختصار، الانتصار في هذه الحالة لم يكن مجرد نتيجة للإمكانات المادية، بل كان أساسا في الاعتماد على القيم المغربية الأصيلة والتمسك بها، بالإضافة إلى القيادة السامية الحكيمة والتعاون الوطني. هذه العوامل الثلاثة تشكلت كقاعدة للنجاح والتجاوز، وأكدت قوة وتماسك المجتمع المغربي في مواجهة الصعاب والمحن. ويمكن التمييز، من داخل هذه القيم الوطنية .
القيم الوطنية المغربية التلاحم الديني والوحدة الاجتماعية
تعد القيم الوطنية المغربية، من القيم التي يميز بها المجتمع المغربي ويشكل أساسًا قويًا للتلاحم والتماسك الاجتماعي. تتضمن هذه القيم العديد من العناصر المهمة، ومن بينها: 1- القيم الدينية والروحية: تتمثل في المذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف على طريقة الجنيد السالك، التي ترعاها إمارة المؤمنين، هذه القيم الروحية تعزز “الإسلام الوسطي” في المغرب، حيث يتميز بالانفتاح والاعتدال ويسمح بالاجتهاد وتجديد النص الديني. وقد أتاح هذا الإسلام تعايش الثقافات والديانات، وشكل تجربة فريدة للتعايش المشترك بين المسلمين واليهود داخل المملكة. 2- القيم الوطنية: تتمثل في التلاحم بين الملك والشعب، والذي يستند إلى البيعة والإجماع على العرش والقائم عليه. تعتبر “الوحدة الترابية” أيضًا عنصرًا حاسمًا في تعزيز الوطنية المغربية وتعزيز الانتماء الوطني. 3- قيم التضامن والتماسك الاجتماعي: تهدف إلى تعزيز التعاون والتكافل بين الفئات والأجيال والجهات المختلفة في المجتمع المغربي. تأتي هذه القيم في صورة تحصين الأسرة المغربية من خلال إصلاح مدونة الأسرة وتقديم الدعم المباشر للأسر المحتاجة والهشة، وهو ما يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك. باختصار، تعد هذه القيم الوطنية المغربية الدينية والوطنية والاجتماعية أساسًا مهمًا للهوية المغربية وتعزز الانتماء والتلاحم في المجتمعالمغربي. تشكل هذه القيم ركيزة قوية للتنمية المستدامة والاستقرار في المملكة المغربية.
تأثير قيم الأسرة والروابط العائلية في استقرار المجتمع
تعدّ قيم الأسرة والروابط العائلية أحد الأسس الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فهي تجسد القدسية والعمق التاريخي للعلاقات العائلية التي تمتد لعقود وأجيال. وفي هذا السياق، يأتي دور الملك في تحصين الأسرة وتعزيز دورها كخلية أساسية في المجتمع.يعتبر الملك حارسًا للقيم الوطنية والمؤسس الرئيسي للترابط الاجتماعي، وذلك من خلال مشاريع وإصلاحات كبيرة تهدف إلى تحصين الأسرة وحماية استقرار المجتمع. ومن بين هذه المشاريع تبرز مدونة الأسرة، التي تهدف إلى تنظيم العلاقات الأسرية وتعزيز التوازن بين أفراد الأسرة. تتجسد أهمية الأسرة والروابط العائلية في قيم الأمان والمحبة والتعاون، التي تسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك. إذ يعمل تفكك الأسرة على إفقاد المجتمع هويته وقوته، وبالتالي يجب الحفاظ على صلاحية الأسرة وتوازنها، وذلك لضمان استقرار المجتمع وتحقيق تطلعاته. في إطار رسالة الملك لافتتاح السنة التشريعية، تم تسليط الضوء على أهمية الأسرة وروابطها العائلية، وتم ربطها بالدعوة الملكية لرئيس الحكومة لمراجعة مدونة الأسرة. هذا الربط المعبر يعكس التزام الملك بتعزيز دور الأسرة والعمل على توفير الأسباب التي تعزز تماسكها.ومن المهم تحقيق التوازن في الحديث عن مدونة الأسرة ومختلف جوانبها، مثل دور المرأة والطفل وعلاقة الزوجين. يجب أن ننظر إلى هذه المواضيع في سياق أوسع يشمل الأفق الكبير للأسرة المغربية والمجتمع المغربي بشكل عام، وذلك لضمان تحقيق توازن وعدالة في العلاقات الأسرية وتعزيز استقرار المجتمع.تأكيد حرص الملك على توفير أسباب تماسك الأسرة وتعزيز دورها يتجلى في خطاباته حول دور أمير المؤمنين وسقف الاجتهاد الممكن. فالملك يؤكد بقوة الأسرة كوحدة أساسية في المجتمع ويعمل على تشجيع القيم الأسرية المتمثلة في المحبة والاحترام والتعاون.بشكل خلاصة، يمكن إعتبار المجتمع مرآة تعكس صحة واستقرار الأسرة. فعندما تكون الأسرة قوية ومتوازنة، ينعكس ذلك إيجابيًا على المجتمع بأكمله ويساهم في استقراره وتطوره. لذا، يتعين علينا جميعًا أن نعمل على تعزيز قيم الأسرة وروابطها العائلية، وأن نحافظ على صلاحيتها وتوازنها، لأنها تشكل الأساس لاستقرار المجتمع وحماية هويته.في النهاية، يجب أن نتبنى مقاربة شاملة تعزز قيم الأسرة وتدعم الروابط العائلية، وذلك من خلال التشريعات والمشاريع الاجتماعية التي تعزز دور الأسرة في المجتمع. كما يجب أن نعمل جميعًا، سواء كأفراد أو كمؤسسات، على تعزيز الوعي بأهمية الأسرة وتعزيز قيمها في المجتمع، لأنها هي الأساس لاستقرارنا ونجاحنا كمجتمع.