النظام الجزائري تاريخ ضائع بين الماضي
مليكة بوخاري
لا يمكن إنكار أن الجزائر تعاني من قيود فكرية تعرقل تقدمها نحو آفاق الإبداع والتحرر، فقد يفتقر هذا البلد إلى إرادة حقيقية لتوزيع الثروات بصورة تضمن استفادة الشعب من ثروات وخيرات وطنه، تعكس هذه الحالة تحديات معقدة تتعلق بالسياسة والاقتصاد، حيث قام ناهبو الثروات بتشكيل خطاب سياسي يسعى إلى خلق عدو خارجي كوسيلة لتبرير عمليات النهب والسرقة، وقد إستمرت هذه اللعبة الماكرة التي يمارسها الضباط الصغار، الذين تم تشكيلهم من الاستعمار الفرنسي، هؤلاء الضباط تولوا زمام القيادة بعد إقصاء أولئك الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم لتحقيق حرية حقيقية، “المجاهدون الحقيقيون”، بل نسج هذا النظام العسكري خرافة “المليون ونصف شهيد” بدعم من أبواق جمال عبد الناصر، مما أتاح لهم السيطرة على الشعب لعقود طويلة، ما جعل المواطنين يعيشون تحت وطأة الظلم الذي يمارسه هؤلاء الضباط، الذين يساهمون في تفاقم الوضع المتدهور للبلاد، في الوقت الذي تتمتع فيه الجزائر بموارد وثروات غنية، يضطر المواطنون إلى الانتظار في طوابير طويلة للحصول على مستلزمات أساسية للحياة منها: الحليب قارورة الغاز، إضافة إلى كميات ضئيلة من الفواكه واللحوم، ما أدى بالطبقة المتوسطة للعيش في الفقر والحرمان، فلا يمكن لأي عاقل أن ينكر أن الجزائر قد أنجبت عقولا بارعة في مجالات متعددة، وأيضا لا يمكن لأي مؤرخ متمكن الاعتراف بمناضلي الجزائر الحقيقيين الذين سقطوا، بخيانة من نصبوا أنفسهم أوصياء على البلاد منذ استعمارها، كما يؤكد التاريخ أن فرنسا كانت تسعى لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا، حيث قامت بقطع أراضي مالي والنيجر وليبيا وتونس والمغرب وضمها إلى ولاية الجزائر.
التلاعب الفرنسي
أما من يشكك في التلاعب الفرنسي بصنع الجزائر، فما عليه إلا الرجوع إلى الوثائق التاريخية التركية والفرنسية، فالخطب الرنانة التي تُلقى داخل قصر المرادية لا تعدو كونها مشاهد هستيرية يمكن تفكيكها بسهولة من خلال تحليل أسبابها النفسية والسياسية، لقد جرى ما جرى بفعل فاعل، حيث أزيح من هم عازمون على بناء الجزائر الحقيقية، من أبنائها وأحفاد شهدائها، وأن أبناء الاستعمار من يتحكم في زمام الأمور حتى اليوم، بعد القضاء على قادة التحرير الحقيقيين، وظهور “هذه الشبيحة” كأوصياء، مما يتطلب إعادة النظر في هذه السياسات والقيادات لتحقيق مستقبل أفضل.
الجزائر نكران المعروف وتحديات القيادة
شهد العديد من الجزائريين من نشأوا في كنف الأسرة المغربية وكرمها، وعاشوا تجربة التربية على المواطنة في شرق المغرب، كيف كانت مدن طنجة ووجدة وبركان وتاوريرت وجرادة وفكيك تحتضنهم برعايتها، وتتقاسم معهم ما تيسر من الخيرات، إلا أن بعض القيادات الجزائرية تسللت إليها مشاعر نكران الإحسان والتضامن، مما أدى إلى ظهور كائن غريب تعود جذوره إلى العدم منذ أيام الدولة العثمانية وما تلاها من تراجع وفقدان للقيم والأخلاق.
نكران الجميل
رفض الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه، عرض فرنسا بشأن تحديد الحدود قبل حصول الجزائر على استقلالها، فرغم التضحيات الجسيمة التي بذلها المغرب لمساندة الجزائر، لكن رد الجميل جاء بشكل غير متوقع، إذ تحملت الجزائر أخطاء شخصيات منها عبد القادر المعروف بالأمير، وأخطاء بن بلة، المغربي الأصل، فضلا عن أولئك الذين نشأوا في كنف العائلات المغربية، لكنهم تنكروا للتضحيات التي قدمت من أجلهم، حيث تدهورت قيم القيادة الجزائرية حتى وصلت إلى مستويات متدنية، حيث بذل الرئيس تبون جهودا كبيرة عبر تصريحاته الإعلامية التي تجاوزت الحدود المقبولة، فقد سحق معايير الحكمة والاعتدال، إذ ادعى أنه زعيم قوة ضاربة لا تقاوم، وتحدث عن تحلية مياه جميع شواطئ المتوسط بمعدل مليار متر مكعب يوميا، كما ادعى إنتاج جميع السلع الغذائية لتخفيف حدة الطوابير، ومع ذلك جاءت الصدمة حين اكتشف الجميع أنه كان يسبح في سراب.
العزلة الدبلوماسية
تعرض النظام الجزائري لعزلة دبلوماسية متزايدة، بينما ازدادت مشاكله مع المواقف الأوروبية والأمريكية، ايضا اتهام الكتاب والأدباء الجزائريين بالخيانة، مما جعله يقع في فخ كلامه على مسرح الواقع، وبلغ به الأمر إلى حد اعتبار بلاده مصدرة للمليارات من السلع غير النفطية والغاز، إلا أن الأرقام كشفت الحقيقة، حيث تبين أن أهم صادرات الجزائر، بخلاف المواد الطاقية، تتعلق بالثمر والخروب، ولم تكن تتجاوز سوى قيمة ضئيلة ليس إلا.
الفشل الاقتصادي والأزمة السياسية
على الرغم من الأزمات المتعددة التي اجتاحت جميع قطاعات الاقتصاد الجزائري، والتي أدت إلى تحطيم الأرقام القياسية السلبية، أصبح هذا الفشل ينتشر كفيروس، مما يثير قلقا كبيرا بشأن مستقبل البلاد، في ظل الكذب على الشعب كسلاح يستخدمه فاشلو قصر المرادية، واستمرار الجلادون في انتهاك كافة حقوق الإنسان الأساسية، وتعالت أصوات الاحتجاج ضد الفساد وانعدام الشفافية، وفي الوقت نفسه، تواصل جحور خطاب الفشل في التمدد، مما يعكس عجز النظام عن تقديم حلول فعالة، زيادة على هذا تكسرت أذرع ووسائل الدبلوماسية الجزائرية، وخاب أمل “العسكر” في أداء السفراء والمحافظين والصحافيين المرتبطين بالأجهزة الرسمية، حتى وصل الأمر إلى منع النقل المباشر لخطاب عبد المجيد تبون أمام البرلمان، مما يعكس مستوى القمع الذي تعاني منه حرية التعبير.
تصاعد التوترات وتأثيرها الإقليمي
انتبهت بعض أعين “الكابرانات” بعد إذاعة الخطاب إلذي تجاوز فيه تبون أوامر السلطات العليا، مما أدى إلى حذف ما ورد في خطابه من تجريح للكاتب بوعلام صلصال، المعتقل السياسي، واستخدامه عبارات غير لائقة لا تليق برئيس جمهورية، وأيضا تعرض كمال داود الفائز بجائزة كونكور الفرنسية لسنة 2024، لهجوم مماثل، مما يبرز حالة الاستهداف للكتّاب والمفكرين الذين يعبرون عن آراء مستقلة، بالإضافة الى تزايد التوتر بعد ملاحظة النظام العسكري للتنسيق المغربي الإماراتي الموريتاني، حيث بدأ سحب السفراء من عدة دول بشكل متسارع، مما يعكس القلق المتزايد من تعاظم العلاقات بين هذه الدول، وفي ظل هذه الظروف، “اللهم أكثر حسادنا”، حيث يُنظر إلى جارة السوء أنها مكافحة الكسل، مع عمق الحقد على كل من لا يتبنى مواقفها أو يرفض الانصياع لسلطتها، وكما يتجلى بوضوح أن الجزائر تعاني من تحديات معقدة تتعلق بالقيادة والسياسة والاقتصاد، حيث تعكس الأزمات الراهنة قصورا في تلبية احتياجات الشعب واستثمار ثروات البلاد بصورة عادلة وفعالة لذا يُعد إعادة التفكير في السياسات أمرا بالغ الأهمية، لبناء أسس متينة من التضامن والإخاء، مع استلهام تاريخ مشترك يجمع بين الشعبين المغربي والجزائري، فعلى النظام العسكري الجزائري استعادة ثقة الشعب وتعزيز القيم الديمقراطية والشفافية، لفتح آفاق جديدة من التنمية والاستقرار، وبناء مستقبل مشرق، والاستثمار في طاقات أبنائها لضمان حياة كريمة.