تعامل مجموعة بريكس مع طلب الجزائر
تفاجأت الجزائر بطريقة التعامل مع طلبها من قبل مجموعة “البريكس”، حيث كان الرئيس الجزائري على يقين تقريبًا بانضمام بلاده إلى هذه المجموعة قبل عقد المؤتمر. كان يعول على دعم روسيا والصين وجنوب إفريقيا، وحاول إظهار قدرة الجزائر على تعزيز موارد بنك مجموعة “البريكس” من خلال المساهمة بمبلغ 1.5 مليار دولار. زار موسكو والصين وسعى للحصول على تعهدات من الدولتين لدعم انضمام الجزائر إلى المجموعة. ومع ذلك، فإن اجتماع “البريكس” أحبط آمال الجزائر، حيث تمت دعوة قائمة من الدول للانضمام إلى “البريكس”، بما في ذلك الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والإمارات والسعودية، دون دعوة الجزائر التي قدّمت طلبًا رسميًا للإنضمام.
أثار غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن إجتماع “البريكس” دهشة الكثيرين، حيث تم تعيين وزير المالية لتمثيله، وتفسير ذلك بأن مجموعة “البريكس” قررت إستبعاد الجزائر في هذه المناسبة، وأن الرئيس تبون قرر عدم الحضور لتجنب الإحراج.
ومع ذلك، قلة من المراقبين حاولوا ربط محاولة جنوب إفريقيا المزعومة بالادعاء بأن المغرب قدم ترشيحه للانضمام إلى المجموعة، مما أدى إلى رد فعل قوي من وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في هذا الصدد.
تركزت الخرجة الإعلامية لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، على مسألة هامة متعلقة بتعزيز قدرة المجموعة على إستيعاب عدد من الدول، وذلك من خلال ضمان توفير الشروط اللازمة.
يشدد بوريطة على ضرورة اتخاذ قرارات المجموعة بشكل جماعي، وعدم اللجوء إلى القرارات الفردية. يعبر عن إنتقاده للأسلوب الإنفرادي الذي تبنته جنوب إفريقيا في دعوة الدول للمشاركة في الإجتماع، ويحذر من إستغلال جنوب إفريقيا لمجموعة “البريكس” لتحقيق أهدافها الضيقة على حساب مصالح المجموعة، ويوضح أيضًا محاولة تحويل المجموعة إلى كيان سياسي يروج لشعارات دعائية تؤثر سلبًا على استقرار المنطقة، في حين ينبغي أن تركز المجموعة بدايةً على الجانب الاقتصادي وتعمل تدريجيًا على تنظيم العلاقات الدولية وتحقيق العدالة في النظام الدولي.
تعزيز نظام الأقطاب
يجب أن تسعى المجموعة إلى تعزيز نظام متعدد الأقطاب بدلاً من الترويج لأجندات سياسية وتحويل المجموعة إلى تحالف تابع لروسيا يستخدم في صراعها مع الولايات المتحدة ويشجع على التوسع الإمبريالي ، هذه هي المخاوف التي أبداها بوريطة في رده على خطاب رئيس جنوب إفريقيا في إفتتاح الإجتماع، الذي إعتبرت عناوينه السياسية مثيرة للجدل.
وُجِدت جنوب إفريقيا في ورطة حقيقية بسبب توجه المغرب نحو الهند ، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة بريكس ، إشتكى المغرب من الطريقة الإنفرادية التي نهجتها جنوب إفريقيا في دعوة الدول وحتى الكيانات الوهمية لحضور اجتماع بريكس .
وجد الرباط دعمًا من دلهي، وتم إتخاذ قرار بتقييد البعد السياسي للاجتماع، لجعل المجموعة إطارًا قابلاً للتوسع بمشاركة دول وازنة لا تحمل عداءً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، وتتبنى موقفًا محايدًا في الحرب الروسية الأوكرانية.
كان الرئيس الجزائري يعتقد أن نوايا الأعضاء الرئيسيين في مجموعة بريكس ، ستخلق تحالف واسع تقوده موسكو وبكين، ويمكن أن يدعم من إفريقيا عبر محور الجزائر ، جنوب إفريقيا. ومع ذلك، كان هناك منطق مختلف يحكم عقلية مجموعة بريكس، وهو ضم الدول الوازنة التي يمكن أن يكون لحضورها تأثير على العلاقات الدولية، بهدف تحقيق العدالة وتوجيه النظام الدولي نحو نظام متعدد الأقطاب.
تحليل رفض إنضمام الجزائر للبريكس والتوترات الإقليمية
تنطوي تطورات الجزائر للانضمام إلى البريكس، إذا تم الإعلان عن طلب العضوية بشكل رسمي من قبل المغرب، رفض إنضمام الجزائر إلى البريكس يرجع الى عدة أسباب، منها تقدير المجموعة لموقفها وحاجتها لحماية نفسها من التوترات الإقليمية بين الجزائر والمغرب، والتي تتغذى منها جنوب إفريقيا التي تعتبر عدوانية تجاه الرباط. ومع ذلك، فإن قبول إنضمام مصر وإثيوبيا، وهما تشهدان توترًا كبيرًا بسبب سد النهضة وتوزيع مياه النيل، ينفي هذا التحليل ويشير إلى أن رفض الجزائر قد يكون بسبب عدم توفرها على المؤهلات الإقتصادية للإنضمام إلى البريكس، أو بسبب رفض بعض الدول العربية الخليجية قبولها بإنضمام الجزائر ، خاصة في ظل التوتر الحاصل بين الجزائر والإمارات في الأسابيع الأخيرة .
الصراع الجزائري الإماراتي
بعد تصعيد الصراع عبر وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية التي إتهمت الإمارات بدعم شبكة تجسس وتم إعتقالها في الجزائر، وهذا أدى إلى إقالة وزير الاتصال في محاولة للتهدئة، وعاد الصراع مرة أخرى للواجهة عبر وسائل الإعلام الجزائرية التي إتهمت الإمارات بمحاولة تقويض العلاقات الجزائرية التونسية والجزائرية الموريتانية من خلال تشجيع التطبيع وتنفيذ مخطط تقسيم الجزائر، وتزيد التوترات بعد تصريحات عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني في الجزائر، الذي حذر من الدور الإماراتي في المنطقة مدعيا وجود معلومات حول تطبيع تونس المحتمل مع إسرائيل بعد زيارة مسؤول خليجي للبلاد مؤخرًا، عقب إنقلاب النيجر الأخير.
إستنتاج رفض الجزائر لعضوية البريكس لعدة عوامل بما في ذلك:
* التوترات الإقليمية: تتفاقم التوترات بين الجزائر والمغرب، وقد تكون الجزائر ترى أن الانضمام إلى البريكس قد يعزز موقف المغرب ويعطيه تأثيرًا أكبر في المنطقة، وبالتالي فإن الجزائر قد تفضل الإبتعاد عن البريكس لحماية مصالحها الوطنية وحفظ أمنها الإقليمي.
القدرات الإقتصادية
قد تكون للجزائر مخاوف بشأن قدرتها على مواكبة متطلبات الإنضمام إلى البريكس من الناحية الإقتصادية ،وقد تحتاج الجزائر إلى إجراء إصلاحات هيكلية وإقتصادية لتعزيز قدرتها التنافسية وتعزيز إقتصادها قبل الإنضمام إلى مجموعة تجارية كبيرة مثل البريكس .
* العلاقات الإقليمية الأخرى: قد تكون للجزائر علاقات خاصة مع دول أخرى في المنطقة، تؤثر على موقفها من الإنضمام إلى البريكس. على سبيل المثال قد تكون للجزائر علاقات وثيقة مع دول عربية أخرى تعارض البريكس أو لديها مصالح خاصة في المنطقة، وبالتالي فإن الجزائر قد تشعر بضغوط سياسية لعدم الانضمام للمجموعة .
السياسات الداخلية
قد تكون هناك عوامل داخلية في الجزائر تؤثر على قرارها بشأن الانضمام إلى هذا التكثل الإقتصادي ، مثل الإستقرار السياسي والاقتصادي والتحديات الداخلية الأخرى التي يمكن أن تشغل تفكير الحكومة وتجعلها تركز على القضايا المحلية بدلاً من الانخراط في إتفاقيات دولية جديدة.
بشكل عام، يمكن أن يكون رفض الجزائر نتيجة لتداخل عدة عوامل سياسية واقتصادية وإقليمية، قد ترى الجزائر أن الحفاظ على استقلالها ومصالحها الوطنية يتطلب عدم الانخراط في تحالفات إقليمية كبيرة في الوقت الحالي.
وتبدو الجزائر أنها قد إستوعبت الدروس المستفادة جيدًا، حيث إختارت تجنب إحراج رئيسها وأرسلت وزيرًا للمالية بدلاً منه لإيصال رسالة بأن علاقتها بالبريكس تتركز على الجانب الاقتصادي فقط، وأنها لا تشارك في أي مشروع يستهدف مكافحة الهيمنة الأمريكية، على عكس ما تروج له جنوب إفريقيا في بداية الاجتماع، وبالتالي، تسعى لتخفيف التوترات السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى في المجموعة، ومن المحتمل أيضًا أن تكون هناك إعتبارات أمنية وإستراتيجية تلعب دورًا في قرار البريكس بشأن قبول الجزائر ، يمكن أن تشمل هذه الاعتبارات القلق إزاء الاستقرار الإقليمي والتأثير السلبي المحتمل للنزاعات الحدودية والتوترات الجارية بين الجزائر ودول أخرى في المنطقة. علاوة على ذلك، قد تكون هناك مخاوف بشأن التوافق الإقتصادي والسياسي للجزائر مع أهداف وقيم البريكس.
ومن الواضح أن أسباب رفض طلب الجزائر للانضمام إلى البريكس قد تكون متعددة ومعقدة، وتتطلب تحليلًا أعمق للتوترات والعوامل المحلية والإقليمية المرتبطة بهذا القرار. يجب مراعاة العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية عند دراسة قرار البريكس بشأن قبول الجزائر كعضو.
صدمة حقيقية للأوهام التي طالما روج لها
أكدت تصريحات سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، ضرورة ضم أعضاء يشاركون بالأفكار ،هذا المعيار وحده يشكل صدمة حقيقية، حيث يعتقد نظام العسكر منذ فترة طويلة أن الجزائر قريبة من روسيا وتعتبرها حليفاً استراتيجياً منذ إستقلالها في الستينيات ،ومن الإهانات الأكبر التي تم فهمها من كلام وزير الخارجية الروسي هي أن الجزائر لا تعتبر ضمن الدول المهيمنة التي تمتلك وزنًا وموقفًا مؤثرًا في الساحة الدولية، لم يسمع لافروف تصفيق الرئيس الجزائري لبلاده كقوة ضاربة. ربما كان حديثه عن الهيبة والوزن ناتجاً عن جهله بالإنجازات التي يحققها نظام الجزائر من خلال المناورات والتدريبات العسكرية الشهرية التي يشرف عليها الفريق الأسير السابق السعيد شنقريحة.
لماذا يختار العسكر الصمت رغم الإهانة الواضحة والصريحة التي تمثلها تصريحات لافروف؟ يبدو أن الأوهام التي روجها الكابرانات بشأن العلاقة الوثيقة مع الحليف الروسي بدأت تتلاشى بشكل عام ، لم تعد موسكو تحاول توضيح حقيقة وجودها، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الجزائر. سابقًا، اعتبر الرئيس مجموعة بريكس ، دعم لعضوية الجزائر، وتوقعت القراءات الجزائرية أن الاعتراض الوحيد قد يأتي من الهند، واليوم، يُظهر الواقع أن ملف الجزائر لا يحمل أي قيمة بالنسبة لأعضاء المجموعة، إن كان هناك ملف حقًا، على الرغم من عملية النصب والإحتيال التي قام بها نظام جنوب إفريقيا والتي سمحت له بتحقيق بعض المكاسب التجارية والمالية على حساب الجزائر في صفقة العضوية.
المثير في هذا التبرير الذي قدمه لافروف وفقًا للمعايير المذكورة هو أن الجزائر لن تكون قادرة على الانضمام إلى المجموعة